السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

منع دفن موتى البيض وضراوة في زاكورة.. التجليات والأسباب

منع دفن موتى البيض وضراوة في زاكورة.. التجليات والأسباب منع دفن موتى البيض وضراوة جنبا إلى جنب في زاكورة
إن تناولنا لظاهرة رفض بعض القبائل العربية أو الأمازيغية دفن موتى السود أو ما يصطلح عليه محليا بـ “ضراوة” إلى جانب موتاها بمقابر مختلطة أو العكس. ليس من باب إحياء النزعة العرقية أو القبلية بالمنطقة أو تهويلها، بل بهدف إزاحة اللثام عن هذا المسكوت عنه بإقليم زاكورة، والذي ظل على مر الزمان ضمن الطابوهات التي يغض النظر عنها معظم الباحثين في التاريخ الاجتماعي للمنطقة.
تتكون ساكنة إقليم زاكورة، من خليط من العناصر العربية والأمازيغية والضراوية، إضافة إلى أقليات من الشرفاء والمرابطين والأحرار… فأثناء جولات “الوطن الآن” الميدانية بالكثير من دواوير الإقليم من أجل البحث عن حقيقة وجود الظاهرة. وقفنا على الكثير من المعطيات التي أصبحت من المسلمات لدى الساكنة المعنية، وهي وجود علاقة التضامن والتآزر بين ساكنة المنطقة، على اختلاف أعراقها وألوانها وقبائلها، خصوصا داخل القصور (الدواوير) التي تضم جميع هذه المكونات (عربي، ضراوي، شريف، أمازيغي، حر). إلا أن علاقة التآخي والتساكن هاته، تخفي وراءها تجليات الظاهرة التي نبحث في مدى وجودها ومظاهرها وأسبابها. وسنسوق هنا مجموعة من النماذج بـ 3 جماعات قروية بإقليم زاكورة.
فبجماعة ترناتة وقفت “الوطن الآن” على أن إحدى الجماعات السكانية من العنصر العربي بأحد قصور واحة ترناتة ترفض دفن موتاها بمقبرة الدوار الذي تقطن به أغلبية من «ضراوة». لتضطر لنقلها ودفنها بجوار أبناء عرقها (العربي) بدوار آخر على بعد حوالي 3 كلم، مبررة الأمر بعادة ورثوها عن أجدادهم.
وتبدو مظاهر التعصب العرقي في منع ساكنة «ضراوة»، «املوان» بدوار أيت علي أوحسو بجماعة أيت بوداود بقيادة تازارين من دفن موتاها بهذه المقبرة الخاصة بالأمازيغ، حيث تخبر العناصر السوداء على نقل موتاها بجهة أخرى من هذه المقبرة، إلا أنه أثناء قيامنا بهذه التحريات الميدانية أكد لنا مجموعة من ساكنة الدوار «املوان» أنه بتدخل من قبائل مجاورة وقع «صلح» بين الأطراف انتهى بالسماح للعناصر السوداء بدفن موتاهم إلى جانب البيض الأمازيغ.
للتذكير، فقبل هذا الصلح بلغ التمييز العرقي أعلى درجاته بهذا الدوار «آيت علي أوحسو»، إلى حد حرمان السود خلال فترة ليست بالطويلة من الماء الشروب، وعدم السماح لهم حتى بإقامة الأعمدة الكهربائية بأراضي البيض. ولم تسو هذه الأزمة إلا بعد تدخل مختلف السلطات وجهات أخرى عليا، حيث سمح للسود بالاستفادة من الكهرباء والماء الشروب.
وبجماعة تامكَروت بزاكورة عاينت “الوطن الآن” حالة مشابهة، فحسب تصريحات عناصر من قبيلة «ازاخنيون»، فإن قبيلة زاوية سيدي علي الذي تجمعهما وحدة المجال الزراعي والفلاحي، ولا تبعد عنها إلا بأمتار معدودة، تمنعها من دفن موتاها بمقبرتها هاته، بدعوى أن دفن الموتى سيجعلها تطالب بحقوقها في الأراضي الجماعية، يقول المصدر نفسه، مضيفا أنه في حالة الوفاة تجبر على دفن موتاهم بمقبرة «ضراوة» بتامكَروت الشرقية على بعد حوالي 6كلم. وفي بلدة تامكَروت، حيث توجد الزاوية الناصرية، عاينت «الوطن الآن» مقبرتين واحدة خاصة بالساكنة المسماة «ضراوة» تامكَروت الشرقية، وتوجد خارج سور بلدة تامكَروت، ومقبرة أخرى مخصصة لدفن موتى الناصريين والأنصاريين وكافة العرب والعبيد، وما ينعتون بالفخارة، وهذه المقبرة مجاورة لضريح امحمد بناصر ولمقر الزاوية الناصرية.
والجدير بالإشارة إلى أن ظاهرة منع دفن الموتى في بعض المقابر الخاصة بالقبائل، تكاثرت بشكل ملفت للانتباه. فمؤخرا، منعت قبيلة «بني زولي» قبيلة «أيت اونير تازناخت» من دفن أحد الأشخاص بمقبرتها لأسباب مرتبطة بالنزاع حول أراضي الجموع. وقبل هذه الحادثة بقليل منعت قبيلة سارت بجماعة تامكَروت قبيلة «أيت خدو» من دفن أحد موتاها بمقبرتها بدوافع قبلية.
ومما يزيد من صعوبة الخوض في هذه الظاهرة، كون جميع الدراسات التي تناولت الحياة الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالإقليم لم تجرؤ على اقتحام هذه «العلبة السوداء». فالموضوع هام وصعب وحساس، وهذا ما تطلب منا اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر أثناء عملية التنقيب عن تجليات ومظاهر منع دفن الموتى بالمقابر من طرف القبائل.