الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

فلكي:السلوك الضريبي لدى الملزمين عبر استعمال أدوات التحليل العلمي

فلكي:السلوك الضريبي لدى الملزمين عبر استعمال أدوات التحليل العلمي عبد الصمد فلكي
لا مجال للجدل في الأهمية القصوى والدور الفعال اللذان تلعبهما الضريبة في تدعيم مالية الدولة، باعتبارهما من أهم الإيرادات الرئيسية للميزانية العامة، وعلى غرار المجتمعات الضريبية الحديثة، ولقد أولى المغرب اهتماما كبيرا لمسألة حسن الاستقبال والتعامل اللائق مع فئة الملزمين، واعتبارهم زبناء جديرين بالاهتمام، وكان هذا أقصى ما قامت به الإدارة الضريبية على المستوى الإنساني، وطبيعة العلاقة التي تجمعها وإياهم باعتبارهم مصدر الجباية والمداخيل الضريبية، بينما الواقع يفرض اهتماما من نوع آخر، ودراسات بمناهج مغايرة لما جرت به العادة في مجال الإحاطة بالجانب السوسيولوجي للملزمين، ذلك أن الضرورة تفرض البحث في مختلف الظروف والمؤثرات المحيطة بهذه الفئة، لأن الملزم كإنسان له ظروفه المعاشة وبيئته السوسيولوجية التي ساهمت في نشأته و تنشئته و كونت لديه رؤية نفسية بسيكولوجية تتضمن قناعاته بخصوص مفهوم هذا الالتزام الضريبي وما مدى شرعيته عليه، وموقفه من كيفية فرض الإلتزام عليه، الشيء الذي يدفعه لتبني سلوكات مختلفة بهدف التحلل والتخلص من هذا الالتزام، أو فقط للتخفيف من ضغطه وحدته.
ومن هذه السلوكات نجد التهرب الضريبي والغش في التصاريح أو الإقرار بمعلومات غير صحيحة والبحث عن مسلك الارتشاء والمحسوبية ،وأيضا، استغلال المواقع أو النفوذ
لتصحيح العلاقة بين إدارة الضرائب وبين الملزم، فلا بد لها من الإحاطة بهذا الأخير من الناحية السيكولوجية والاجتماعية، وذلك باعتماد دراسة سوسيولوجية تنبني على مقومات علم النفس الإداري وعلم النفس الضريبي، الشيء الذي ييسر لها فهم البيئة التي تطبق فيها الضريبة بشكل صحيح و سليم، وحتى يتحقق هذا لابد من تبني مهمة المساهمة في معالجة المشاكل المرتبطة بالسلوك ، او على الأقل إبراز مظاهر هذا السلوك وأسبابه وتعقيداته واستفحاله لدى الملزم بأداء الضريبة بحكم انه جزء من هذا المجتمع، ثم إيجاد تفسير للوقائع الاجتماعية والاقتصادية التي تتحكم في المادة الضريبية ،حيث مصالح الأفراد والخواص تتضايق بواجب المساهمة والأداء لفائدة المصلحة العامة.
في هذا الإطار لابد من التساؤل عن ماهية هذه السلوكات في مواجهة الضريبية؟ وماذا تمثل الضريبة من منظور عقلية الملزم؟ وماهي الظروف التي تتحكم في سلوك الملزم اتجاه الواجب الضريبي؟ ولماذا ينفر الملزم من هذا الواجب؟
ان خلاصة فهم السلوك الضريبي وتأطيره، والانطلاق منه في التعامل وإصدار القرار الضريبي، يكون الهدف منه تقويم هذا السلوك ومحاولة تجاوز السلوكات السلبية التي يلجأ إليها الملزم في مواجهة الضريبة ومحاولته التحلل والإفلات من تأديتها. كي نصل إلى مرحلة التقويم السلوكي وبناء علاقة تشاركية مبنية على التقدير و الاعتبار، يلزمنا الإلمام والدراية بعناصر الدراسة والتحليل بأدوات علم النفس وعلم الاجتماع.
وإذا قلنا أن الاهتمام بالجانب السلوكي للمرتفق عموما، والملزم الضريبي بشكل خاص ضعيف للغاية، فإننا لا نكون قد جانبنا الصواب، ومعلوم أن هذا المجال له الأهمية القصوى رغم ما يكتنفه من صعوبات جمة، لكن أثره واضح على فعالية العلاقة الإيجابية بين الطرفين كل من موقعه الخاص به، وبالتالي على المردودية المالية.
إن أي خلل في السلوك الضريبي هو جزء لا يتجزأ من الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي، يمكن نعته على انه انحطاط في تاأثير قواعد السلوك الاجتماعية السائدة على هؤلاء الأفراد بصفتهم مجتمع ينتمي إليه من هم مكلفون و ملزمون بالواجب الضريبي، انه خلل على درجات مختلفة تتراوح بين انتهاك الملزم بصفته فردا من المجتمع لخرقه قاعدة خاصة من النظام الضريبي، وبين فساد عام يمكن أن يصيب بعض المؤسسات الفاعلة داخل المجتمع، ويتصل اتصالا وثيقا بهذه النظرة إلى الخلل في التوازن المالي العام، وتكون بالتالي المعايير والموجبات الاجتماعية حاضرة في توجيه هذا السلوك، حيث انه وبالملاحظة الدقيقة لهذا السلوك و الأفعال الصادرة عن الملزمين عند مواجهة الإلتزام الضريبي، فإن كثيرا من تصرفاتهم الجانحة ليست نتاجا لمحض ما لديهم من قابليات و تصورات مادية وبيولوجية، بل تخضع للثقافة المجتمعية و الاستمرار التاريخي والجوهر الوجودي لذاته، وعلاقته الإيجابية بنفسه وبالمحيط الذي يعيش فيه وينهل منه،انها عوامل فعالة في صقل وحصر البعد النفسي للسلوك الضريبي لدى الملزم بأداء الضريبة ا بالاعتماد على المنهج والمقترب السلوكي بكل عناصره الثلاث :علم النفس، علم الإجتماع ثم علم الانتروبولوجيا لكي نتمكن من تأطير هذه السلوكات الضريبية والإلمام بها والتعامل على إثرها.
إن الإحاطة بها تفرض الاستعانة بالمنهج التاريخي، لأن السلوك ليس وليد الظروف المعاشة فحسب، بل هو نتاج صيرورة وعمق متجدر في الثقافة المجتمعية التي يحكمها الإستمرار الموروث الثقافي والعرفي، الذي بالإلمام به نصل إلى أصل السلوك الإنساني بشكل علمي صحيح.
إن الاستخدام الأمثل لهذا المقترب السلوكي من شأنه تحقيق الغاية من البحث في تصرفات الملزم الضريبية بصفته إنسان أو كائن في المنظومة المجتمعية ، وطرف فاعل في العجلة الاقتصادية والمالية، فأهميته تزداد يوما عن يوم خاصة؛ إذا علمنا أن العناصر المادية غير الإنسانية هي عناصر شبه ثابتة لا تتحرك ويمكن استغلالها استغلالا كاملا، عكس العنصر الإنساني الذي يعد بحق عنصرا متغيرا نظرا لنوعية قناعاته وتأثره بالمحيط المندمج فيه. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة في المجتمعات الصناعية المتحضرة تعرف اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة بالسلوك الإنساني وأهميته الكبيرة في تحديد النتائج التي تتطلع للوصول إليها، وان كانت تلك الجهود والاهتمامات لم تتبلور في شكل خزان لتراكم المعلومات المتعددة التي تشكل مختلف مظاهر السلوك الإنساني، وظلت تمثل اتجاهات متوازية دون احتمال واضح وأكيد في التقائها أو تفاعلها معا في بناء نظري متكامل، لذلك لا يمكن اعتماد سلوك انساني بخصوص المجال الضريبي في البرازيل او السويد أو اليابان مثلا ونسقطه على سلوك مفترض للملزم الضريبي في المغرب عند القيام بأي إجراء أو تدابير تخص المادة الضريبية، بل لا بد من البحث والدراسة للإلمام بسلوك الملزم الضريبي المغربي كي يتسنى لنا اتخاذ ما يلزم من اجراءات ضريبية بشكل صحيح وفعال و متماش مع المصلحة العامة، ذلك أن من مباديء العلوم السلوكية الاهتمام بدراسة السلوك الإنساني ،بحيث لا تختص بما يجب أن يكون عليه هذا السلوك، ولكن بالبحث المنتظم عن ماهيته، وهي بهذا تعبر عن مجموعة من المفاهيم الأساسية التي تهدف إلى التفسير ووضع أسس التنبؤ به والسيطرة عليه بعد تحديد المشكلة السلوكية.
ويمكن تحديد وصف المشكلة السلوكية في انها المواقف التي تواجه الإدارة أو أي منظمة وتكون مناقضة لأهدافها من جانب بعض الأفراد أو الهيئات سواء من داخلها كأعضاء بها أو من خارجها كالمتعاملين معها، وهي حالة الملزمين بأداء الضريبة سواء أشخاصا طبيعيين كانوا أم معنويين، مواقف تجسد السلوك الغير متعاون أو السلوك الحيادي أو السلبي..
المشكلة السلوكية عموما تتسبب في ضياع الفرص المفيدة، أو تكريس أوضاع غير ملائمة للمصلحة العامة، كما ان السلوك السلبي لا يصدر في كل الأحيان عن الأفراد، وإنما يمكن ان يكون موقفا ناتجا عن تفاعل مجموعة من الأفراد تربطهم نفس الأهداف و حريصون على نفس المصلحة ؛ وهو حال الهيئات المهنية مثلا واللوبيات، وهنا تكبر المشكلة السلوكية؛حيث أن تفاعل الأفراد داخل الهيئة يخلق إذكاء روح المفاوضة، والعصيان وعدم التعاون، ومن تم يزيد في درجة تناقض السلوك، وهو ما نلمس واقعه في الهيئات المهنية في مواجهة قرارات الإدارة الضريبية التي تعنيها وتمس بمصالحها من منظورها هي كهيئة، وما يتمخض عنه من نتائج تنعكس لزاما على مالية الدولة، مما يتطلب حنكة في تدبير الأزمة ،وكثير من الجهد والبحث والتحليل، وهي أمور تحتاج الى خبرة متخصصة، وتأهيل علمي خاص؛ ـقول هذا لمن يصنف الكفاءة في المجال الضريبي بحسب أهوائه ومصالحه فقط، أقول له أن الكفاءة في واد ومنظورك لها في واد آخر، لأن الكفاءة الضريبية لا تفقه شيئا في العوامل المؤثرة على سلوك الملزمين ولا حتى في القوى المؤثرة فيه، والتي تتأرجح بين البيئة والدافع ثم الهدف ،ولكل واحد من هاته العناصر بحر من التحليل و التنظير.
عبد الصمد فلكي، دكتور في الحقوق جامعة محمد الخامس أكدال الرباط ،ومتخصص في الشؤون الضريبية