الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

المرزوقي: في الأدوار الجديدة للأحزاب السياسية.. ديمقراطية القرب تتطلب أحزاب القرب

المرزوقي: في الأدوار الجديدة للأحزاب السياسية.. ديمقراطية القرب تتطلب أحزاب القرب بن يونس المرزوقي

إن الأوضاع التي يعيشها المغرب، والرهان على "تعاقد اجتماعي" جديد، و"نموذج تنموي جديد"، مُرتبط بتوفير بعض شروط توسيع المشاركة الشعبية. وفي هذا الصدد، أعتقد أنه ينبغي العمل على تجديد الوظائف والمهام التي تقوم بها الأحزاب السياسية لتُصبح قادرة على استرجاع الثقة للمؤسسة الحزبية، وخلق علاقات جديدة بينها وبين المواطنات والمواطنين، بالتالي خلق دينامية جديدة في الحياة السياسية.

وتتطلب توسيع المشاركة الشعبية العملَ على ترسيخ ممارسات حزبية جديدة تقوم على أساس محورين: أحدهما وطني يهم تسهيل تأسيس الأحزاب السياسية، والآخر جهوي يقوم على أساس الترخيص بتأسيس أحزاب جهوية، أخذا بعين الاعتبار أنه حتى الحركات الاحتجاجية المحلية أو الإقليمية أو الجهوية ستجد تأطيرا حزبيا مُناسبا.

 

المحور الأول: تسهيل تأسيس الأحزاب السياسية

أولا، ينبغي إعادة النظر جذريا في الإطار الدستوري والقانوني للأحزاب السياسية، والذي وضع حدودا وقيودا كثيرة على الحياة الحزبية دون مراعاة اختلاف طبيعة الأدوار التي يُمكن أن تقوم بها.

إن طريقة صياغة الفصل السابع من الدستور تحمل في طياتها شيئين مُتناقضين:

فمن جهة أولى تم توسيع وظائف ومهام الأحزاب السياسية، وهذه مسألة إيجابية: "تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي،وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية

كما تم التنصيص على حرية تأسيس الأحزاب وحرية ممارسة أنشطتها؛

ومن جهة أخرى، وعوضا عن توسيع مجال تأسيس الأحزاب السياسية ليتماشى الوضع مع هذه المهام الجديدة، تم التنصيص على عدم جواز تأسيس الأحزاب السياسية "على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان"!!

إن هذا التقييد يجمع بين أمور لا يُمكن الجمع بينها، لأن تأسيس الأحزاب السياسية على أساس أي تمييز مخالف لحقوق الإنسان مسألة معقولة ومقبولة، لكن ما علاقة هذا الموضوع بمنع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس جهوي مثلا (وهو ما سنعود إليه في المحور الثاني)؟

وقد ترتب عن هذا التضييق أن بقي النشاط الحزبي "يحتضر" تدريجيا من خلال استنفاذه للأدوار التي كان يقوم بها تقليديا، إضافة إلى تأثير العزوف الانتخابي وتزايد فقدان الثقة في الأحزاب السياسية.

وقد أضاف القانون التنظيمي للأحزاب السياسية تقييدات أخرى، أهمها المسطرة الصعبة لتأسيس الأحزاب السياسية دون تمييز فيما بين المهام والأدوار التي ستُنشأ من أجلها. فمثلا تأسيس حزب سياسي يستهدف فقط تأطير المواطنات والمواطنين وتعزيزانخراطهم في الحياة الوطنية ينبغي أن يكون مُختلفا عن تأسيس حزب سياسي يستهدف تدبير الشأن العام والمشاركة في ممارسة السلطة.

أعتقد باختصار أنه من اللازم التمييز بين تأطير المواطنات والمواطنين وبين تمثيلهم.

تأطير المواطنات والمواطنين يستهدف التوعية والتحسيس والتربية على المواطنة، وحتى إيجاد إطار لتحرك المواطنات والمواطنين قصد نشر فكر مُعين أو برامج مُعينة، ودون أن يستهدف بالضرورة المشاركة المباشرة في الاستحقاقات الانتخابية.

أما تدبير الشأن العام وممارسة السلطة فيتطلب المشاركة في التعبير عن إرادة الناخبين (كما ينص على ذلك الفصل السابع من الدستور)، أي المشاركة بشكل مُباشر في الاستحقاقات الانتخابية.

طبعا، سيعترض الكثيرون على هذا المنطق تحت ستار التعددية الحزبية المفرطة، وهو قول مردود عليه، إذ يكفي القول مثلا بأن الدول الكبرى التي تعرف نظام الحزبين (بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا مثلا) تعيش تعددية حزبية واسعة، وأن التقليل من حدة هذه التعدية لا يُمارس بالمنع الدستوري أو القانوني ولكن بشروط المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية أو باختيار نظام انتخابي لا يُشجع إلا الأحزاب الكبرى.

إن فكرتي الأساسية هنا، هي أنه ينبغي فتح المجال بالمغرب لتأسيس الأحزاب السياسية بكل حرية وبشروط بسيطة قد تأطير أكبر عدد من المواطنات والمواطنين. ويجرني هذا إلى "التأسف" على مرحلة ما قبل 2006 حيث كانت الأحزاب السياسية مُنظمة فقط بمقتضى قانون تأسيس وتنظيم الجمعيات، وكان هذا القانون يسمح إما بتأسيس أحزاب سياسية أو بتأسيس جمعيات ذات طابع سياسي.

وطبعا، لا يخفى على القارئ أهمية هذه الحرية في نشر ثقافة المواطنة الإيجابية، خاصة إذا كان تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابق للمبادئ الديمقراطية.

 

ثانيا: السماح بتأسيس الأحزاب السياسية الجهوية

يُراهن المغرب منذ سنة 1971 على الجهة كتقسيم ترابي يصلح كإطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومنذ فترة الجهوية الاقتصادية، إلى الجهوية الإدارية، إلى الجهوية المتقدمة، ظل دور الأحزاب السياسية مُغيبا، لذا، نتساءل هنا ما المانع من السماح بتأسيس أحزاب سياسية جهوية؟

أولا، ينبغي الإشارة إلى أن تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ترابي ليس مُنافيا بأي شكل من الأشكال لمبادئ حقوق الإنسان.

ثانيا، هناك تجارب دولية عديدة ليس فيها الأحزاب السياسية إلا فيدرالية لأحزاب جهوية (إسبانيا مثلا)، وليس هناك من يصف هذه التجارب بأنها منافية لحقوق الإنسان أو أنها تجارب غير ديمقراطية، بل بالعكس تجارب من صميم الديمقراطية.

ثالثا، الرهان على الجهوية المتقدمة بالمغرب يجب أن يُوازيه الرهان على الأحزاب الجهوية، فهي وحدها القادرة على إبراز تُخب وكفاءات جهوية، وقادرة على بلورة برامج جهوية، بل والتخفيف من حدة الطابع الإداري لمجالس الجهات وتحويلها إلى شبه برلمانات ذات قدرة على التقنين والضبط والتوجيه لما فيه مصلحة كل جهة.

رابعا، إن الحديث عن الأحزاب السياسية المحدثة على أساس ترابي لا علاقة له بتأسيس الأحزاب السياسية على أساس عرقي، بل بالعكس ستسمح هذه التنظيمات باندماج أكبر بين مكونات سكان كل جهة.