الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: ردا على مقال "طلقوا الدراري" لأمينة بوعياش !!

نوفل البعمري: ردا على مقال "طلقوا الدراري" لأمينة بوعياش !! نوفل البعمري

بعد النقاش الذي أثاره حوار رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول عدم وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، عادت لتوضح وجهة نظرها في مفهوم الاعتقال السياسي وتنزيل هذا التوصيف على معتقلي احتجاجات الحسيمة وجرادة، وهو النقاش الذي لم يكن هناك أي داع له مادام أن الأمر ليس محط أي نقاش لا سياسي ولا حقوقي.

بالعودة لمقال "طلقوا الدراري" وما تضمنه من عناصر، لابد أن نبدي ملاحظات حوله و حول ماجاء فيه:

أولا: إذا كانت تعتبر رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن هؤلاء المعتقلين ليسوا سياسيين أو رأي ، فهم إذن معتقلي الحق العام، مادام أنه ليس هناك توصيفات غير هذه للمعتقلين، هنا يأتي سؤال لابد و أن يطرح، اذا كانوا متابعين بأحداث عنف فلماذا السيدة الرئيسة تطالب بإطلاق سراحهم؟؟ فالأمر فيه تناقض بين الوضع القانوني والحقوقي الذي وضعتهم فيه رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبين مطالبتها بإطلاق سراحهم وتدخلها لدى العائلات، إذا لم يكونوا بمعتقلين سياسيين أو لهم وضع خاص فلماذا تطالب بالافراج عنهم؟؟ على أي أساس؟

ثانيا: ما تقدم في المقال من محاولة تأصيل لمفهوم المعتقل السياسي، تؤكد أنه لا إجماع حول المفهوم على الأقل من الناحية القانونية سواء في التشريع الوطني أو الدولي، و إذا كانت هناك بعض النصوص الوطنية خاصة في القانون الجنائي تتحدث عن الجريمة السياسية وتوصيفاتها القانونية،فإن المعتقل السياسي كمفهوم فيه الكثير من النقص أو غياب لتعريف مدقق له، مما يجعل تأويل وضعية كل معتقل تختلف باختلاف النظرة السياسية لأسباب الاعتقال والمحاكمة، وهو الحاصل في ملف معتقلي الحسيمة، إذ انهم اعتقلوا و حوكموا على أفعال جنائية لكنها مرتبطة بأسباب اجتماعية بالأساس، فإلى أي حد يمكن اعتبار الأسباب الاجتماعية المؤدية إلى الأحداث وإلى الاعتقال هي المحدد في وضعيتهم القانونية أو لنقل وضعيتهم الحقوقية.

ثالثا: الفاعل الحقوقي خاصة المؤسساتي منه، ليس له أن يدخل في هكذا نقاش وتوصيف، فهذا الأمر متروك للسياسي و المنظمات الحقوقية أما المؤسسات الوطنية لا يمكن أن تكون ضمن هذا الجدل، جدل توزيع اليافطات،يافطة المعتقل السياسي أو معتقل الرأي أو الحق العام، هذا النقاش كان على رئيسة المجلس الوطني أن تتجنب الدخول فيه، لأنه ليس من أولويات عمل المجلس الوطني خاصة و انه يقوم بمهمة الوساطة،و الترافع لدى الجهات المعنية لإطلاق سراح المعتقلين،و للقيام بهذين المهمتين على من يقوم بهما ألا يثير أي نقاش يضعف او يشكك من مصداقيته لدى أي طرف أو يثير نقاش يعيدنا لنقطة الصفر،فالأولوية ليس هل بالمغرب معتقلين سياسيين أم لا، هذا نقاش تجاوزه المغرب وحتى المعتقلين تجاوزوه، النقاش اليوم كيف نطوي ملف الحسيمة وغيره من الملفات بالشكل الذي يحافظ على التوازن بين الدولة والمجتمع،و بالشكل الذي ينهي الملف ويطويه بشكل نهائي.

رابعا: التوصيف الذي قدمته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،يظل اجتهادا شخصيا إذ لا سند له لا في الشريع الوطني أو في القانون الدولي لحقوق الإنسان، و هو يلتقي إلى حد كبير مع من يعتمد على المعيار الذاتي في تحديد وضعية المعتقلين، أي ينظر للأسباب التي أدت إلى اعتقالهم ومتابعتهم ثم محاكمتهم، حيث يكون المحدد فيها و وجه مدخله لا يربتط بالمتابعة الجنائية للمعتقلين بل بالدوافع،أو الأسباب الأولى التي دفعته للتظاهر و الاحتجاج قبل ارتكاب أفعال تعتبر بموجب القانون مجرمة، و اذا كانت السيدة الرئيسة اعتمدت حسب ما قدمته في مقالها بأنهم " ضحايا تدبير متعثر تشوبه أوجه قصور كثيرة، ولم يستطع ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؛ كما لم يتمكن من أن يضمن لهم عيشا كريما والاستجابة لمطالبهم المشروعة. هذا التعثر" فهي عندما تضفي عليهم هذه الصبغة تكون قد اخرجتهم فورا من دائرة معتقلي الحق العام و تجعلهم ضحايا، بالتالي يكون أساس اعتقالهم غير مرتكز على قانون، وأظن أن هذا التوصيف يهدم المحاكمة من أساسها، لأنه في نهاية المطاف من حكموا حسب تقدير رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان هم ضحايا،فكيف يحاكم الضحايا؟

رابعا: متفق مع رئيسة المجلس الوطني لحقوق على عنوان مقالها،طلقوا الدراري، وهو أهم ما يمكن أن نلتفت إليه جميعا فاعلين حقوقيين، منظمات حقوقية، مؤسسات وطنية... كيف نسهم في إطلاق سراح الشباب المعتقل على خلفية احتجاجات الحسيمة،كيف نطوي هذا الملف لنلتفت لما هو أهم بناء المنطقة وتنميتها باعتبارها حقا من الحقوق الاقتصادية و الإجتماعية.

في الختام هناك ملاحظة عامة تنسحب على كل الخرجات الإعلامية لرئيسة المجلس، على هذه الخرجات تعكس آراءها الشخصية ورؤيتها لبعض الملفات أم رؤية المجلس الوطني لحقوق الإنسان،أي المؤسسة الدستورية التي تترأسها؟ سبب هذه الملاحظة العامة هو أنه في ظل غياب انعقاد الجمعية العمومية للمجلس يصعب الحديث عن هكذا قضايا مصيرية تتعلق بملفات حساسة تهم جزء من مستقبل المغرب الحقوقي والإنساني حتى لا نقول السياسي، إذ أن الجمعية العمومية هي الموكل لها وحدها تحديد هكذا توجهات عامة للمجلس.

سؤال أخير الجواب عليه نتركه للمستقبل: ألا تعرض مثل هذه التصريحات المجلس لمخاطر قد تفقده وضعه الاعتباري كمؤسسة مستقلة مصنفة في درجة "أ" أو على الأقل "التشكيك" في مصداقيته لدى الرأي العام الدولي الحقوقي بشكل عام، ثم مجلس حقوق الإنسان خاصة منه المفوضية السامية لحقوق الإنسان هذه الثقة التي جنبت المغرب الكثير من النقاش حول العديد من الملفات الوطنية على رأسها ملف الصحراء، إذ موقف المفوضية السامية لحقوق الإنسان واختيار المغرب من خلال مؤسساته الوطنية الانفتاح على الآليات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان ساعد المغرب على قبر أي نقاش متعلق بتوسع مهام المينورسو في الصحراء، فالأمرين على عكس ما قد يبدو للبعض هي مترابطة و متداخلة خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي قدمت نفسها على أنها ستشتغل بأفق حقوقي جديد،أعطت نوع من الأمل للفاعلين الحقوقيين على أن هناك توجه نحو العمل على المساهمة في طي مختلف الملفات ذات البعد الحقوقي،لكن هكذا نقاش قد يثير بعض الشك في هذا "الأفق الجديد" وخلفياته خاصة وأن هكذا نقاش لم تكن هناك أية مناسبة لطرحه،بل يمكن اعتباره خارج سياق المرحلة التي تتطلبها تعبئة حقوقية وطنية لنتفرغ للتفكير في الاختيارات التنموية الجديدة التي يظل بعدها الحقوقي المتمثل في الحقوق الاقتصادية و الإجتماعية والثقافية أحد ركائزها الأساسية، وأحد مداخل النقاش الذي قد يساهم فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذه المرحلة.

ما طرح أعلاه يهدف إلى التفاعل الإيجابي مع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمساهمة الجماعية في تحديد ملامح أفق حقوقي حقيقي، بروح متجددة يكون الفاعل الحقوقي فيها ممارسا لدوره الرقابي عندما يتطلب الأمر ذلك، ومساهما بناء في أي نقاش أو محطة من محطات البناء الحقوقي ببلادنا.