تبحر جريدة "أنفاس بريس" مع محمد معروف الدفالي، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بكلية الآداب عين الشق بالدارالبيضاء، في حوار مطول ننشره في حلقات في أعماق احتفال المغاربة بعيد العرش ورمزيته وجذوره التاريخية، وكيف فكر شباب الحركة الوطنية في عهد الاستعمار في ابتكار هذا التقليد لضرب خطة الحماية الرامية إلى بناء جدار عازل بين السلطان والوطنيين.
بالنظر إلى أن الحماية كانت تتحدث للسلطان عن الوطنيين بكونهم مارقين وعملاء وجمهوريين.
للتذكير، الحوار المطول - الذي تنشره "أنفاس بريس" - خص به الدفالي، أسبوعية "الوطن الآن" في عددها 530.
في البداية كان هناك عيد واحد وهو عيد العرش، لكن بعد عودة محمد الخامس من المنفى أصبح المغاربة يحتفلون بثلاثة أعياد، وهي عيد العودة في 16 نونبر، وعيد الانبعاث في 17 نونبر، ثم عيد العرش في 18 نونبر. من ابتكر هذه الثلاثية، وما الغاية منها أصلا؟
العودة والانبعاث واضحة كما يبدو، ولكن مع ذلك بقي عيد العرش هو العيد الحقيقي، وكان هو المناسبة القوية التي يلقي فيها السلطان خطابا، ويتحدث عبرها عن أوضاع البلاد. وإذا ما حاولت أن أرجع قليلا إلى عيد العرش، فهو مناسبة أعطت للحركة دفعة قوية، كما أنه احتفال سياسي وتعبوي جريء بكل ما في الكلمة من معنى. إذ كم من الناس التحقوا بالعمل الوطني بمناسبة هذا العيد للاحتفال ليس إلا، إنما وجدوا أنفسهم وقد تسيسوا، مهتمين، ويقرؤون الصحافة، قبل الالتحاق بحزب من الأحزاب في لحظة من اللحظات. من جانب آخر، وهذا أساسي جدا، فقد كان عيد العرش قويا أثناء نفي السلطان، حيث أصبح السلطان في المنطقة الفرنسية هو محمد بن عرفة، وبذلك فإن عيد العرش لمحمد بن يوسف قد انتهى. ولكن في الشمال استمر الاحتفال به. وهذا ما أدى إلى حدوث النكسة على إثر تنصيب الحماية الفرنسية لسلطان جديد، حيث ظلت المنطقة الخليفية تحتفل بعيد عرش السلطان محمد بن يوسف. وهذه المسألة ساهمت في إرباك السلطات الفرنسية إرباكا كبيرا، علما أن العناصر الأساسية التي قادت المقاومة كانت قبل هذا التاريخ عبارة عن شبيبة عضو في الأحزاب، وكان دورها هو تزيين الحفلات في هذا عيد العرش. لذلك، سنجد مثلا بأن سيرة الزرقطوني تتحدث عن أنه كان في لجنة التزيين، وكذلك الشأن بالنسبة لسيرة الزيراوي وغيرهما. فهؤلاء هم الذين فكروا في ما بعد في عمليات المقاومة، وهم من أسسوها. إذ أن أغلب رموز وزعامات المقاومة المسلحة كانوا يشتغلون في هذا الاتجاه المجسد لنقاشات الارتباط والتعلق بالسلطان والتضحية فداءا للوطن. ولما انتهى العمل السياسي أصبحوا أمام ضرورة فعل عمل ما، فتوجهوا إلى العمل المسلح وهم يؤمنون بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
أمام تناسل الأعياد ماهي الذكرى إذن التي يمكن أن نعتبرها تعاقدا بين الملك والشعب، هل هي عيد العرش أم ذكرى 20 غشت التي توصف بأنها ،ثورة الملك والشعب؟
في الحقيقة، يبقى الموعد الأساسي هو عيد العرش، لأنه أسس أولا في لحظة قوية وحاسمة، وكان سببا في التقارب بين السلطان والحركة الوطنية. باعتبار أن كل المناسبات التي تعاقبت استطاع الوطنيون أن يظهروا فيها ولاءا وتقربا أقوى للسلطان. فبعد سنة من عيد العرش أي في 1934 كان السلطان يحل بالمدينة العلمية في كل فصل الربيع، وكانت تسمى آنذاك الزيارة الربيعية للسلطان لمدينة فاس، يؤدي فيها الصلاة و يزور القرويين، ناهيك عن مجموعة من الأماكن. وفي ربيع 1934 فإن الوطنيين هم من اهتموا باستقبال السلطان وكأنهم أسسوا لبنة في عيد العرش لـ 1933 باحتفالهم السري به. وبذلك توخوا في 1934 أن يؤكدوا على هذا الارتباط ويعمقونه. وبذلك، فإن الشبيبة الوطنية هي التي استقبلت السلطان بقوة سنة 1934، إلى درجة أن الشعارات التي رفعت أثناء ذلك التهافت لم ترق سلطات الحماية، مما جعلها تتصل بالسلطان حتى يسمح لها بأن تتكلف بالأمن. وطبعا حين تخوف السلطان من تدخل سلطات الحماية لقمع الوطنيين ورفض هذه المسألة، خيروه بين قبول طلبهم وإلغاء الزيارة أو بالأحرى عدم اكتمالها لأنها بدأت بالفعل. وهي بالفعل خطوة أساسية تلك التي أبداها السلطان من خلال اهتمامه بألا يمس الوطنيون بسوء. وبلغة أخرى، بدأ يتأكد من أن ما يوصله إليه الفرنسيون بصدد الوطنيين غير صحيح، وأن هؤلاء الذين يُتحدث عنهم بصيغة معينة يختلفون تماما عما قيل في حقهم. والأكثر من ذلك، أنه بعدما ذهب إلى الرباط استقبل وفدا عن الوطنيين يشرح لهم الأسباب التي جعلته يغادر مدينة فاس. وهذا الأمر هو الذي تعمق أكثر في مابعد، خاصة في سنة 1939، وتكرس أيضا في الأربعينيات، وتحديدا في 1947 خلال رحلة طنجة ومن خلال «حركة المدارس الحرة». وبخلاصة، فإن عيد العرش هو من جذّر الروابط أكثر مع السلطان.