الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب دبيش: النماذج التنموية لن تنجح إذا لم يكن المواطن مؤهلا للتفاعل معها

عبد الوهاب دبيش: النماذج التنموية لن تنجح إذا لم يكن المواطن مؤهلا للتفاعل معها عبد الوهاب دبيش

أكد خطاب الملك، بمناسبة عيد العرش، أن النموذج التنموي لما كان عليه الحال بالمغرب أبان عن فشله الذريع، وأنه لم يحقق النتائج المرجوة منه.

 

النماذج التنموية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال لم تحقق غير إغراق البلاد بمديونية، لا شك أن أجيال حفيد حفيدتي سيعيشونها بشكل رهيب. هنالك حديث عن مديونية فاقت تسعمئة مليار درهم أو ثمانين بالمائة من الناتج الداخلي الخام الذي يتجاوز نسبيا حوالي مئة وعشرين مليار أورو، أو مائة وأربعين مليار دولار.

 

ولأن النماذج السابقة، بدءا بالمخططات الخماسية السيئة الذكر، وانتهاء بالتنمية البشرية التي جاءت لتحقق نموا اقتصاديا للفرد فإذا بها تتحول إلى اُسلوب لتبذير المال العام في تفاهات وسرقات لا أجد لها وصفا، غير أنها حماقات، أبطالها مواطنون عديمو الأخلاق، وجمعيات تافهة لا قدمت ولا أخرت في هذا الباب.

 

سبب فشل هذه النماذج أنها لم تكن بغاية الاهتمام بالمواطن وبالمجال الذي يعيش فيه، ولَم تكن، وهذا هو الأهم، مبنية على رؤى استراتيجية تشكل أطروحة مجتمعية تهم الوطن ولا تخص فردا أو عينة بذاتها؛ لأن الفرد أو الفئة المجتمعية قد يجدان ضالتهما في الاهتمام الشمولي للوطن ومعها المواطن كفاعل مدني وليس كإنسان يعيش حياة بوهيمية فوضوية ليس لها ضابط أو قانون.

 

إن النماذج التنموية لن تنجح إذا لم يكن المواطن مؤهلا ثقافيا وفكريا واجتماعياً للتفاعل معها. فالأمية والجهل وسيطرة الميثولوجيا على عقول الناس وتفكيرهم والهجمة الشرسة للتيارات الدينية بتلويناتها، كلها عوامل تساهم في ترييف المدن وأدويتها عِوَض أن تلعب دورا في تلقين المواطن فن العيش في مجتمع متنوع ومتعدد المشارب.

 

الفقر والجهل إذن والفوضى التي تتخبط فيها هوامش المدن الكبرى وما ينتج عنها من انتشار واسع ونوعي للجريمة التي أصبح المغاربة يعانون منها، هي تمثلات للفشل الذي اعترى التنمية المفترى عليها ببلادنا.

 

إن التنمية التي تستثني التاريخ والمجال وتنوع المعطيات، لا يمكن إلا أن تنتج واقعا هشا يسهل على الغير قسم ظهره والتغلب عليه وإخضاعه ليكون تابعا لا أقل ولا أكثر.

 

استحضار التاريخ والجغرافيا بتنوع مجالاتها ببلادنا مهم، لأنه يمكننا من وضع اليد على مكامن الخلل في وضع التصورات وأجرأتها لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي يحترم التنوع ويساهم في بناء الذات، والإيمان، وما يتبعه شأن خاص يعيشه الفرد مع خالقة، وليس شأنا عاما تتدخل فيه الدولة وآلياتها.

- عبد الوهاب دبيش، أستاذ التاريخ، محلل سياسي