الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: عصابة العسكر تسعى لتحريف الثورة في الجزائر

كريم مولاي: عصابة العسكر تسعى لتحريف الثورة في الجزائر كريم مولاي

أخذت الثورة الجزائرية منعرجا خطيرا مع القطيعة شبه التامة بين أجنحة الحكم السابق، وانتقالها إلى مرحلة كسر عظم.

لأول مرة في تاريخ الجزائر، تقدم المؤسسة العسكرية على اعتقال هذا الكم الهائل من القيادات السياسية والمسؤولين، تحت شعار الحرب على الفساد، وهو شعار خادع يرفعه فريق وإلا في الفساد من أخمص قدميه حتى أعلى رأسه.

وبينما يستمر القطاع العريض من أبناء الجزائر ممن طحنتهم الحاجة وقلة ذات اليد، أو ممن ظل يحلم لعقود طويلة برؤية تداول سلمي على السلطة، وأن يلتزم العسكر بمهماته في حماية البلاد من أي عدوان خارجي، يصر قادة المؤسسة العسكرية على المضي قدما في إنهاء شركائهم السياسيين والبدء بحرف البوصلة من خلال قاموس من الاتهامات القديمة البالية التي أكل الدهر عليها وشرب، من قبيل الخيانة الوطنية والعمالة للأجنبي.

العدالة مطلب ضروري وهي مدخل الاستقرار لأي مجتمع، لكن شرطها أن تتم وفق معايير شفافة ومن أطراف مشهود لها من الأهلية القانونية ما يمكنها من إنصاف المظلوم والتأسيس لعدالة انتقالية تمنع من تكرار المظالم. ولا أظن أن قيادة المؤسسة العسكرية تمتلك أيا من الشروط التي تستجيب لا أقول للعدالة، وإنما حتى من المسؤولية عن قيادة مرحلة من أخطر المراحل التي تمر بها الجزائر.

كل الأسماء التي تم اعتقالها، هي التي قادت الجزائر في العشريتين الأخيرتين، وهو ما يعني أن من يقودون المرحلة الحالية كانوا موظفين عندهم، وهذه أولى المآخذ، أن الحاكم هو طرف رئيسي فيما آلت إليه الجزائر، بل لا يقل إجراما عن المعتقلين الحاليين.

وما يثير الاستغراب فعلا، بعض التسريبات التي تتحدث عن مؤامرة تشترك فيها فرنسا لإنهاء عهد الجيش، وهذه واحدة من النكت السياسية التي لا تنطلي على أحد من العوام فضلا عن العقلاء. كما لو أن القيادة العسكرية التي سمحت للطيران الفرنسي باختراق أجواء بلادنا لضرب إخواننا في مالي تحت شعار الحرب على الإرهاب بينما هدفها هو مساعدة فرنسا على استمرار هيمنتها على خيرات إفريقيا.

السؤال المحير لكل وطني اليوم: ماذا بعد حملة الاعتقالات التي لا يبدو أن لها نهاية؟ وهل تملك عصابة الحكم من الآليات ما تستطيع به التحكم في مصير بلاد بحجم الجزائر؟

لا أحد يملك القدرة على تقديم الجواب الدقيق حول هذه الأسئلة، وإن كان حجم التظاهرات المتنامي في مختلف المدن الجزائرية ونوعية الشعارات المرفوعة تشير إلى أننا بصدد رسم معالم مرحلة جديدة بكل ما تحمله الجدة من معنى، لا أريد أن أقول أننا بصدد صياغة مشهد جيوسياسي من نوع غي مألوف، لكنني متأكد تماما من أن الجزائر ما بعد حراك فبراير الماضي لن تعود إلى ما قبلها، تحت أي ظرف، والمسؤولية بالتأكيد يتحملها الفاسدون والمستبدون.

لكنني مع ذلك متفائل بأن القادم من الأيام أجمل.

- كريم مولاي، خبير أمني، ضابط سابق في المخابرات الجزائرية