الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحي بنيس :الدبلوماسية البرلمانية بين جدلية الفعالية واشكالية التمويل

عبد الحي بنيس :الدبلوماسية البرلمانية بين جدلية الفعالية واشكالية التمويل عبد الحي بنيس

من المعروف أن من بين الأدوار التي تقوم بها المؤسسة التشريعية إلى جانب ممارسة دور التشريع ومراقبة الحكومة، مهام الدبلوماسية البرلمانيةذات الأبعاد الثنائية والمتعددة الأطراف في العلاقات الدولية.

ولا يخفي على أحد اليوم مدى التأثير الذى تمارسه الدبلوماسية الموازية ومنها الدبلوماسية البرلمانية في القرار الدولي، والأهمية التي تضطلع بها في مجال العلاقات الخارجية والتعاون الدوليخاصة في الدفاع عن المصالح الوطنية وخدمة القضايا الحيوية.

وعلى المستوى الوطني، فإنه الرغم من أن مختلف الدساتير المغربية، لم تنص بشكل صريح عن الدبلوماسية البرلمانية، فإن القانون الأسمى لسنة 2011، أكد في فصله العاشر حينما تحدث عن الضمانات والحقوق الدستورية المخولة للمعارضة البرلمانية وقصرها في "المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية".

وقد أصبح الدبلوماسية البرلمانية، تعرف اهتماما متزايدا، منذ السبعينات من القرن الماضى، إذ يرجع الفضل الى المغفور له الحسن الثاني في اثارة الانتباه لهذا الموضوع خاصة بمناسبة استقباله لأعضاء مكتب مجلس النواب، خلال التجربة البرلمانية لسنة 1977.

واتخذ الموضوع بعدا أكبر، بمناسبة افتتاحه لدورة أكتوبر 1983، حيث شدد الراحل الحسن الثاني،على انه يتعين على البرلماني"أن لا يكتفي بالنظر القصير فيما يخص بلدته أو قريته أو جهته أو بلده، فالنائب المغربي يجب أن يعلم أن وسائل النقل واللاسلكي ووسائل الاتصال بين البشر، جعلت أن السياسة الخارجية، لا بد أن تؤثر في السياسة الداخلية والعكس بالعكس". ودعا البرلمانين في هذا الصدد الى " أن يتخذوا من هذا البرلمان مشربا حتى يمكنكم أن تروا ما يجري هنا وهناك من تجارب، وتأخذوا الحسن منها وتتركوا الغير اللائق".

وشهدت وثيرة الاهتمام بالدبلوماسية منذ سنة 1999، ارتفاعا في الوثيرة من خلال ما يوليه جلالة الملك محمد السادس، من اهتمامدائما للدبلوماسية الموازية، وهو ما عكسته خطب جلالته والرسائل الملكية التي وجهها في العديد من المناسبات.

ويمكن الرجوع في هذا السياق الى مضامين الخطاب المؤسس الذى القاه جلالة الملك في الثامن من أكتوبر 2004 في افتتاح الدورة البرلمانية والذى دعا فيه جلالته أعضاء البرلمان إلى الإسهام في الإشعاع الدولي للمغرب، والدفاع عن مصالحه العليا من خلال دبلوماسية نيابية فعالة ومنفتحة.

وفي خطاب العرش في 30 يوليوز 2005 شدد دلالة الملك على ضرورة " تعزيز انتهاجنا لاستراتيجية هجوميه من خلال تفعيل الدبلوماسية الموازية، البرلمانية والحزبية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والجمعوية. وذلك في نطاق خطة متكاملة ومتناسقة" من أجل "التعريف الموصول، بعدالة وقدسية قضية وحدتنا الترابية"، فضلا عنالعمل على "نهج التسوية السلمية للمنازعات، والاندماج الاقتصادي الإقليمي، والتفاعل المثمر مع بلدان الشمال، لإقامة نظام عالمي أوفر أمناً، وأكثر توازنا وإنصافا، وأقوى التزاما بالشرعية الدولية، وبالقيم الكونية السامية".

فالبرلمان أصبح يتوفر على كافة الوسائل من أجل قيام أعضائه بإعطاء دفعة جديدة لعمله الدبلوماسي والتعاون الدولي، من خلال إغناء علاقات الشراكة التي تربطه بالبرلمانات الأخرى، معززا بذلك حضور البلاد في المحافل الدولية، لخدمة مصالحه العليا وفي طليعتها قضية الوحدة الترابية، يقول جلالة الملك في خطاب افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2012.

وعلى مستوى العمل البرلماني، يلاحظ ارتفاعملحوظ في زيارات الوفود البرلمانية للخارج، حيث تفيد المعطيات المتوفرة خلال التجربة البرلمانية الحالية، فقد توجه خلال السنة الماضية 2018 فقطخارج المغرب سبعة وعشرون (27 ) وفدا برلمانيا للمشاركة في أنشطة مختلفة ترأس منهارئيس مجلس النواب أحد عشر وفدا، ضمنها ثلاثة رفقة رئيس مجلس المستشارين، وأربعة مرات كانت بدعوة من نظرائه رؤساء المجالس البرلمانية. أماالتسعة وفود الباقية فقد قادها نواب رئيس المجلس، وسبعة وفود ترأسها أعضاء برلمانيين.

وبالمقابل ترأس بمقر البرلمان، رئيسا مجلسي النواب والمستشارين أربعة أنشطة مشتركة منها التوقيع على اتفاقية تعاون، وجلسة مشتركة حول قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس، وندوة صحفية حول الاستفزازات الأخيرة لخصوم الوحدة الترابية، واحتضان الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني المغربي – الفرنسي.

كما ترأس رئيس مجلس النواب اجتماع اللجنة البرلمانية المشتركة المغرب – كيبك التي تمحورت حول تعميق العلاقات الثنائية، وترأس رفقة رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية لقاء تقديم حصيلة مشروع التوأمة المؤسساتية الممول من الاتحاد الأوروبي، وترأس حفل التوقيع على مذكرة تفاهم بين مجلس النواب والمعهد الديمقراطي الأمريكي.

أما زيارات الوفود البرلمانية المماثلة للمغرب، فقد تم سنة 2018 كذلك استقبال 43 وفدا برلمانيا من برلمانات دولية مختلفة بمقر المجلس، استقبل رئيس مجلس النواب منها 31 وفدا، ضمنهم خمسة عشر رئيس لتلك المجالس البرلمانية، و12 وفدا الباقي تم استقباله: 6 منها من قبل أحد نواب الرئيس، و4 من قبل رئيس لجنة الخارجية، و2 من طرف رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة المغرب الاتحاد الأوروبي.

وإلى جانب ذلك تم استقبال 35 من الوفود والشخصيات المختلفة التي زارت المغرب منها: المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وبعثة من صندوق النقد الدولي، والرئيس التنفيذي لمؤسسة ويستمنستر للديمقراطية، وكذا 14 من الوفود المختلفة، سياسية واقتصادية وعلمية ومعاهد الدراسات.

كما استقبل رئيس مجلس النواب سبعة عشر من الوزراء ضمنهم ثلاثة وزراء أولين، والذين جاؤوا للمغرب في أنشطة وزارية واللقاء بنظرائهم. واستقبل كذلك 25 من سفراء الدول الأجنبية المعتمدة بالمغرب في زيارات مجاملة.

وعلى مستوى تمويل هذه الأنشطة، تم تخصص ميزانيات مهمة للدبلوماسية البرلمانية، ولإعطاء فكرة عن هذه الميزانية، نتفحص فقط ما خصص لها في مشروع ميزانية سنة 2018،حيث خصص ما مجموعه 26.410.000درهم (مجلس النواب 15.850.000 درهم – مجلس المستشارين 10.560.000درهم) إذ سيصبح مجموع هذا المبلغ 132.250.000درهم في نهاية الولاية التشريعية الحالية المحددة في خمس سنوات، "ثلاثة عشر مليار ومائتان وخمسة وعشرون مليون سنتيم".

  • وتتوزع هذا المبالغ بالنسبة لمجلس النواب مثلا خلال سنة واحدة على:

نقل النواب إلى الخارج 3.360.000

مصاريف نقل الموظفين بالخارج 840.000

تعويضات المهمة بالخارج لفائدة النواب 3.620.000

تعويضات المهمة بالخارج 680.000

اكتراء السيارات 700.000

الفندقة، الإيواء، الإطعام ومصاريف الاستقبال 4.240.000

اشتراكات في الهيئات الجهوية والدولية 2.000.000

شراء الهدايا للوفود البرلمانية الأجنبية 410.000

---------------

المجموع: 15.850.000

وبقراءة سريعة لهذه المبالغ التي تصرف على الدبلوماسية البرلمانية: 132.250.000 درهم خلال ولاية تشريعية،يلاحظ أنها أكبر بكثير من مجموع الميزانية التي تم تخصيصها خلال الولاية التشريعية الثالثة من 14 أكتوبر 1977 إلى 31 ديسمبر 1981، (أربع سنوات) والتي بلغت 130.480.000 درهم.

فانطلاقا من هذه المعطيات المرقمة، يطرح المتابعون للشأن العام، عدة أسئلة منها هل توازي النفقات المخصصة للبرلمان، انتظاراتالمواطنات والمواطنين من الدبلوماسية البرلمانية؟ وهل تمكنت هذه الدبلوماسية الموازية من تحقيق الأهداف المنشودة على المستويين الرسمي والشعبي؟وهل تمكنت الدبلوماسية البرلمانية من ترجمة ما ينص عليه دستور 2011 من ربط المسؤولية بالمحاسبة واعتماد الحكامة والنجاعة والفعالية؟.

عبد الحي بنيس: رئيس المركز المغاربي لحفظ ذاكرة البرلمان