بدون منازع حققت صفحة " مراكش مدينة الألف سنة " التي أحدثها عاشق مدينة سبعة رجال، الأستاذ "مراد الناصري" سنة 2017 ، بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، أهدافها المتعلقة بالنبش في ذاكرة المدينة الأسطورة، ونفض الغبارعن تراثها العظيم بالكتابة والصورة، وفتح أبواب شخوصها و معالمها العمرانية والتاريخية بمفاتيح الحضارة الإنسانية. " لقد راهنت على إبراز أهمية استثمار مواقع التواصل الاجتماعي في الجانب الإيجابي، وتمرير رسائل مهمة للجيل الحالي على جميع المستويات، فضلا عن مشاركة ساكنة مدينة الحمراء عشقهم لحضارة مراكش..." يؤكد مراد الناصري.
فعلا إن المبحر في صفحة "مراكش مدينة الألف سنة" يجدها تجربة رائدة في استثمار موقع الفيسبوك إيجابيا، حيث نعتبر أنها جديرة بالمتابعة والتعميم والمواكبة الإعلامية، وتقاسم مواضيعها النادرة مع قراء جريدة " أنفاس بريس"، لتعميم الفائدة طيلة شهر رمضان الأبرك.
عالج جزءا من هذه المسألة رولمان (2)، مستعينا بما وثقه دي سنيفال (3) وكولان (4)؛ وفي كتاب ماص لطري (5) أخبار كثيرة غير ذلك، والصيغة الأصلية المألوفة للاسم الذي عرفت به المدينة منذ تأسيسها هي مَرّاكُش بفتح الميم وتشديد الراء وضم الكاف، وتنطق اليوم مْرّاكْش براء مشددة مفتوحة ومد وبتسكين فتحة الميم وضمة الكاف، ولكن في مخطوطة فريدة من القرن 11 الميلادي/الخامس الهجري، محفوظة بخزانة جامع القرويين بفاس، وجدنا رسمه مروكش...
ويرى كولان أنها كانت تنطق مَرّوكش بفتح الميم وتشديد الراء وضم الكاف، وأنها لا شك معربة عن Marruecos الإسبانية، و فيها تحل سين العامية الإسبانية محل الشين العربية، أما قولهم مَرّاكِش بفتح الميم وتشديد الراء وكسر الكاف، فمتأخر، واختاره من كبار المؤرخين ابن خلكان( 6) وحاجي خليفة (7) وصاحب القاموس(8)، وكلهم حجة، لكن الظاهر أنه وزن اخترعه كتاب مغاربة رغبة منهم في تحليته بصيغة عربية، فما هو أصل هذا الاسم؟
أثبت له المؤرخون اشتقاقا إنما نسجه خيالهم، فالمراكشي (9) قال: "وإنما سميت بعبد أسود كان يستوطنها يخيف الطرق اسمه مراكش"، وأما ابن خلكان، فيرى أن في اشتقاقه جناسا وذلك أن معنى هذه الكلمة بلغة المصامدة ـ على ما قال ـ هو: "امش مسرعا"، لأن الموضع الذي تقوم فيه مراكش اليوم كان مكمنا للصوص، فكان المارون فيه يقولون لرفقائهم تلك الكلمة...
ويبدو من الحكمة اتباع رأي دي سنيفال، وهو أن ذلك الموضع كان مشهورا من قديم، فهل كان لذلك الاسم معنى في الأمازيغية ؟ قال رين(10): "اسم مركوش Marekouch صيغة ثالثة مشتقة من أركوش Arkouch، ومعناه أوركوش Ourkouch، أي أبناء كوش"، فمعنى مراكش إذن عند هذا المؤلف هو "بلاد أبناء كوش"...
ونشير في الختام إلى أن التاجر الفرنسي لمبير ألف رسالة مطولة في مدينة مراكش، ذكر فيها أن المدينة ـ مثل القيروان في الأرجح ـ سميت باسم بئر لا ماء به اليوم، كان على وجه التقريب في وسط المدينة؛ وليس ذلك بمستحيل، ومراكش ـ أيا كان اشتقاقها ـ مذكورة منذ القرن 12م/6ه في مكاتيب غربية:
فتجد Marrochs في رسالة غير مؤرخة من الربرتير قومس برشلونة Reverter Vicomte de Barcelone، وقد كان أسيرا بمراكش، وهي من أوائل مدة حكم رامون برنجير الرابع ملك أرغون، أي من إحدى السنوات التي تلي سنة 1131م/525ه، ثم تجد ملك "مروكش" في عقد صلح مع أهل بيزة الإيطالية في سنة 1131م/527ه.
مراجع وهوامش :
مراكش ـ التأسيس والتسمية، عبد القادر عرابي، ص.248.
1- غاستون دو ڤيردان Gaston Deverdun مؤرخ ومستشرق فرنسي، من أهم أعماله كتاب Marrakech des origines à 1912، الذي يعد من بين أهم المراجع الرصينة في مجال التأريخ لمدينة مراكش.
2- أرمان رولمان Armand Ruhlmann، مؤرخ فرنسي ولد يوم 30 يوليوز سنة 1896 بمدينة Mulhouse الفرنسية وتوفي يوم 15 ماي 1948 بمدينة العيون المغربية.
3- بيير دي سينيفال Pierre de Cénival؛ مؤرخ فرنسي من مواليد العام 1888 في مدينة Château de la Marre بفرنسا حيث توفي كذلك بباريس سنة 1937، شغل منصب محافظ الأرشيفات في مكتبة الحماية بمدينة الرباط، وذلك في الفترة من 1918 إلى 1927، ثم منصب مدير قطاع التأريخ في المغرب من سنة 1927 إلى أوائل الثلاثينيات.
4-جاك كولان Jacques Colin؛ مؤرخ ومستشرق فرنسي، لديه عدة مؤلفات عن المغرب ولبنان.
5- لويس دو ماص لطري Louis de Mas Latrie، مؤرخ وديبلوماسي فرنسي ولد سنة 1815 ومتوفى بباريس عام 1897، وكتابه المقصود هنا هو Traités de paix et de commerce.
6- قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان يكنى "أبو العباس" مؤرخ وقاض وأديب يعد من أعلام مدينة دمشق، وهو صاحب كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان وهو أشهر كتب التراجم العربية، ومن أحسنها ضبطا وإحكاما. ولد في العراق أربيل سنة 608 هـ/1211 م، وعاش واستقر في دمشق، وأقام فيها وكانت حياته حتى وفاته في دمشق، ونبغ في الأحكام والفقه وأصول الدين وعلومه وعرف من أعلام دمشق وشيوخها فولاه الملك الظاهر قضاء الشام، توفي سنة 1282 عن 71 عاما.
7- مصطفى بن عبد الله الشهير بلقب حاجي خليفة ويعرف كذلك بلقبه كاتب جلبي (1017 هـ/1609 م - 1068 هـ/1657 م) جغرافي ومؤرخ عثماني، عارف للكتب ومؤلفيها، مشارك في بعض العلوم. صنفه فرانز بابنجر كأكبر موسوعي بين العثمانيين، حيث اكتسب شهرة واسعة النطاق بمعجمه الببليوغرافي الكبير كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.
8- القاموس المحيط للإمام اللغوي مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروز آبادي المتوفى سنة (817 هـ). واسم الكتاب بالكامل (القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط). وهو أشهر معاجم اللغة العربية على الإطلاق، إذ بلغ من شهرته أن كثيرا من الناس بعده صاروا يستعملون كلمة قاموس مرادفة لكلمة معجم.
9- المعجب في تلخيص أخبار المغرب. كتاب في التاريخ ألفه عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي، محيي الدين (المتوفى: 647هـ) استجابةً لطلب أحد الأعيان الرؤساء، الذي سأله إملاء أوراق تشتمل على بعض تاريخ المغرب العربي موطنه وبلده ووصف في الكتاب بلاد الأندلس وذكر فتحها واخبار ولاتها وخلافاتهم وذكر ملوك الطوائف وتناحرهم واستغلال الإسبان والفرنج لهذه الأحداث إلى حدود سنة 621هـ/ 1225م، ولقد زين المراكشي كتابه بذكر الشعراء وشيئا من أشعارهم مع ذكر القضاة والحجاب والوزراء في العهد دولة الموحدين و دولة المرابطين.
10- لويس رين Louis Rinn؛ (1838ـ1905)، ضابط عسكري فرنسي شغل منصب رئيس قطاع الشؤون المحلية في الحكومة العامة للجزائر، ثم مهمة مستشار لذات الحكومة، من أشهر مصنفاته Les origines Berbères.