الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر الزاوي: الحكومة المغربية تغطية الفشل بكثرة الدجل

عبد القادر الزاوي: الحكومة المغربية تغطية الفشل بكثرة الدجل عبد القادر الزاوي

لا يختلف اثنان في المغرب على أن البلاد تعيش احتقانا مجتمعيا يتمدد جغرافيا ليمس كافة جهات المملكة، ويتمدد قطاعيا ليعم كل القطاعات الإنتاجية الخدمية والوظيفة العمومية أيضا. وقد ولد هذا الاحتقان حالة إحباط تكاد أن تكون عامة مشوبة بالتوجس، لم تنفع في تبديدها الكثير من الكلمات والقرارات بما في ذلك تلك التي دأب الإعلام على تسميتها بالزلازل السياسية، والتي سرعان ما خبا تأثيرها.

ومع ذلك فإن الحكومة المفروض فيها نزع فتيل هذا الاحتقان ومحاصرة جيوبه كأول خطوة نحو إيجاد الحلول المناسبة لأسبابه ما تزال بتصرفات أعضائها وقراراتهم، وبالتصريحات اللامسؤولة لمكوناتها تؤجج نيران الاحتقان، معمقة عدم الثقة ليس فقط فيها كمؤسسة دستورية، ولكن في البلد ككل، وهذا هو الأخطر.

لقد أبانت الحكومة منذ تشكيلها عن ضعف كبير ناجم عن الطريقة الهجينة التي خرجت بها إلى حيز الوجود، وعن الإصرار الغريب على تضمينها قوى سياسية تفتقد للحد الأدنى من المصداقية أمام الرأي العام، ووجوه تقنوقراطية أتت بمعايير الولاءات قبل الكفاءات. وقد تجلى هذا الضعف في عدم قدرتها على التجاوب مع الانتظارات الشعبية، وفشلها في تنزيل التوجيهات الملكية.

*مضت أزيد من سنة ونصف على الإقرار بفشل النموذج التنموي المتبع على هدي توصيات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية، وعلى دعوة جلالة الملك للحكومة بفتح نقاش وطني واسع حول نموذج جديد قادر على بث بعض الأمل في النفوس. ورغم ذلك لم نسمع لحد الآن أن مناظرات أو جلسات حوار موسعة قد انعقدت لهذه الغاية. الأدهى والأمر أن الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي تسابقت في إعداد نماذج خاصة بكل واحد منها تبارت مع بعض أحزاب المعارضة في الإسراع بإحالتها على الديوان الملكي دون مناقشتها مع حلفائها .

*في أكتوبر 2018 أعطى جلالة الملك للحكومة مهلة ثلاثة أسابيع لصياغة تصور جديد لتأهيل شعب التكوين المهني على أمل أن يلعب دوره كرافعة استراتيجية واعدة لإعداد ولوج أسهل للشباب إلى سوق العمل والاندماج المهني. وبعد انتهاء المهلة الأولى، وأكثر من مهلة إضافية لم تستطع الحكومة بلورة تصور ينال الرضا الملكي إلا بعد تدخل مباشر من جلالة الملك، الذي حرص كما جاء على لسان أحد الوزراء على ضرورة الابتعاد عن اللغو ( كثرة الهضرة والتفلسيف ) والبحث عن حلول عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

ما سبق هو مجرد غيض من فيض عن الفشل الحكومي المعاش يوميا على كافة الأصعدة، والبادي للعيان في أكثر من قطاع أبرزها قطاع التربية والتعليم المتوجة نحو سنة كارثية، وموضوع تسقيف أسعار المواد البترولية التي عادت لتلهب جيوب المواطنين، ناهيك عن الحلقة المفرغة التي يدور فيها الحوار الاجتماعي وزيادة الأجور البئيسة التي مررتها الحكومة مع نقابات ضعيفة التمثيلية.

ولهذا لم تكن مستغربة بتاتا قتامة التقارير المحلية والدولية حول الأوضاع الحقوقية والاجتماعية في المغرب وكذا الرتب المتدنية التي تحتلها بلادنا في الكثير من المجالات، وآخرها ما ورد في تقرير الاتحاد الدولي للمنظمات الخيرية "أوكسفام" الذي حذر من مغبة اتساع فجوة الفوارق الطبقية في المغرب، الذي اعتبره من أكثر الدول تغييبا للعدالة الاجتماعية، والأكثر احتياجا إلى عدالة ضريبية.  

ومع ذلك، فإن الحكومة المغربية لم تكتف بهذا الفشل الذريع في معالجة القضايا الجوهرية للوطن، والأمور المعيشية اليومية للمواطن، وإنما أصرت على أن تضيف إليه الكثير من التخبط في خطابها وفي التسويق لسياساتها وقراراتها ( إن جازت تسمية ما تقوم به سياسة ). فتارة تراها تروج بلا خجل لما تعتبره منجزات، متهجمة على كل من يجرؤ على انتقادها، وطورا تختبئ وراء الظروف الدولية والمستجدات الإقليمية لتبرير إخفاقاتها ؛ الأمر الذي يدل بوضوح على أنها بلا بوصلة تحاول مداراة ما يعتري سلوكها من فشل بالإكثار من اللغو والدجل.

تستطيع أن تخادع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخادع بعض الناس كل الوقت، ولكن يستحيل أن تخادع كل الناس كل الوقت. فهل تتعظ الحكومة المغربية أم إنها تتلذذ بازدياد النقمة الشعبية ؟.