الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي:تصاعد خطر اليمين الشعبوي على حدود المغرب

يوسف لهلالي:تصاعد خطر اليمين الشعبوي على حدود المغرب يوسف لهلالي
بعد غياب دام 40 سنة على الساحة السياسية الاسبانية يعود اليمين المتطرف الشعبوي إلى واجه الساحة السياسية باسبانيا، ويتمكن من الفوز ب24 مقعدا بالكورتيس، وهي سابقة مند رحيل الحاكم العسكري الجنرال فرانكو الذي استولى على الحكم بعد حرب أهلية طاحنة، مازالت ذاكرتها تؤلم الأسبان حتى اليوم ، وإزاحته لكل القوى الديمقراطية باسبانيا.والذاكرة المغربية لا تنسى إقحامه لجنود مغاربة في هذه الحرب باسم "محاربة الإلحاد" و"الدفاع عن الله الواحد" لدى الكاثوليكيين والمسلمين بل لم يتردد في إرسال بعض المغاربة الذي افلتوا من طاحونة الحرب إلى القيام بمناسك الحج.
اليوم يعود هذا اليمين الشعبوي القومي إلى البرلمان الاسباني عبر الانتخابات الديمقراطية اثر انهيار الحزب الشعبي وتمكن من العودة هذه المرة من "اجل محاربة الملحدين الكاتالانيين الانفصاليين" ومن "أجل التخلص من المهاجرين المورو المسلمين". بل يريد وضع يوم وطني للاحتفال بهزيمة العرب المسلمين.
فوز الحزب الاشتراكي العمالي النسبي في هذه الانتخابات غطى على هذا الحدث وعلى الاهتمام بالخطر السياسي لعودة المتطرفين الأسبان إلى تأسيس حزب سياسي، يريد الاحتفال بطرد العرب من اسبانيا وطرد المهاجرين. هذه العودة تثير المخاوف في المغرب الذي له روابط تاريخية كبيرة مع هذا البلد الجار ومصالح كبيرة على المستوى الاقتصادي، السياسي والثقافي وهي مصالح يهددها هذا التيار المتطرف، خاصة انه حقق نسبة عالية من المقاعد بمنطقة الأندلس على الخصوص.
تزايد خطر الأحزاب الشعبوية المتطرفة على المغرب لا يأتي من اسبانيا لوحدها، بل إن هذا المد الشعبوي مس بلدان أوربية أخرى وقريبة للمغرب كايطاليا، ويهدد فرنسا باستمرار في كل موعد انتخابي جديد دون الحديث عن ألمانيا التي عرفت هي الأخرى بروز هذا التيار اليميني المتطرف من جديد في السنوات الأخيرة. وهي كلها تيارات تهدد المصالح الحيوية للمغرب التي له شراكة متميزة مع بلدان الاتحاد الأوربي والتي تستقر بها جالية مغربية أو من أصول مغربية تبلغ عدة ملايين وهي علاقة كانت مصدر قوة للمغرب في منطقة شمال إفريقيا التي تعرف وضعية سياسية مضطربة، ومنطقة الصحراء الكبرى بافريقيا المهددة باستمرار بسبب ضعف بنية الدول بها، بالإضافة إلى التهديد الذي أصبحت تشكله بعض بلدان الخليج التي تمول "سياسة اللاستقرار " بالمنطقة، في غياب أية رؤية سياسية أو اقتصادية لها بالمنطقة.
وإذا كان تأثير منطقة الخليج يبقى هامشيا على الوضع في المغرب، فان التطورات التي بدأت تعرفها الحدود الشمالية للمغرب وخاصة التطورات ببعض البلدان الأوربية، يمكن ان تضر بمصالح المغرب على المدى المتوسط والبعيد، لارتباط اقتصاد ومصالح المغرب بهذه المنطقة الأوربية بالإضافة إلى الاضطرابات التي تعيشها منطقة المغرب العربي مند فترة طويلة والحرب المفتوحة بليبيا والتي تساهم فيها مصر ودول خليجية والتي أصبحت مصدر قلق لرباط والجزائر ويمكن أن تؤدي إلى زيادة التوتر السياسي بالمنطقة خاصة ان ليبيا هي بلد مفتوح على العمق الإفريقي ومنطقة الساحل. وعدم الاستقرار بالمنطقة من شأنه ان يقوي الجماعات المسلحة والحركات الجهادية بكل أنواعها خاصة أن لا أحد يتكهن بالتطورات التي ستعرفها الجارة الجزائر، وهل سيتخلى العسكر على الحكم لصالح المدنيين، أم ان النظام سوف يستمر من خلال وجوه جديدة.
لنعد إلى اسبانيا، لقد فاز الحزب الاشتراكي العمالي بالانتخابات، وحصل على 123 مقعدا، ومازال بعيدا عن الأغلبية التي تتطلب الحصول على 176 مقعدا وهو ما سوف يجبره الى عقد تحالفات مع أحزاب يسارية أخرى مثل باديموس "نستطيع " وكذلك الأحزاب الكتلانية التي لم تصوت على ميزانيته الأخيرة وأجبرته على انتخابات سابقة لأوانها. وهو ما يجعل بناء حكومة من طرف الاشتراكيين مهمة صعبة في وضعية التشرذم السياسي التي تعيشها اسبانيا، والتراجع الكبير للحزب الشعبي وبروز فوكس " اليمين المتطرف وهو تيار اختفى مند وفاة فرانكو سنة 1975. والذي سبق له ان حقق 11 في المائة في الانتخابات البلدية السابقة بمنطقة الأندلس.
بيدرو سانشيز لم يحصل على الأغلبية المطلقة لكنه انقد الاشتراكيين من تراجع كبير ومن وضعية شبيهة بالحزب الاشتراكي الفرنسي اليوم الذي فقد قوته السياسية وأصبح غائبا على اغلب المؤسسات.
بعد الفوز صرح رئيس الوزراء الاسباني بجملة تلخص الوضع اليوم بهذا البلد والعديد من البلدان الأوربية " فاز الاشتراكيون بالانتخابات في اسبانيا وفاز معهم المستقبل وخسر الماضي." لكن رغم خسارة الماضي فانه تمكن من دخول الكورتيس الاسباني بعد غياب دام عدة عقود.
وحزب فوكس راهن على كراهية الأجانب والاضطرابات التي تعرفها منطقة كتالانيا ورغبة جزء منها في الانفصال. وينعت هذا الحزب سانشيز بـ"الخائن" الذي نجح بفضل أصوات الانفصاليين الكتالانيين.
خطاب العداء والمواجهة الذي ينهجه هذا الحزب وكراهية أجانب أصبح يجدب عدد من الأسبان.
وتمكن بيدرو سانشيز من الوصول الى الحكم في يونيو الماضي بعد حجب الثقة عن سلفه مريانو راخوي عن الحزب الشعبي، وهو ما أدى الى انهيار هذا الحزب وتراجعه الكبير مقابل تزايد قوة اليمين المتطرف فوكس الذي يريد طرد المهاجرين ويفتخر بحروب الاسترداد التي طردت المسلمين من الأندلس ويريد تخصيص يوم وطني لذلك.
هذه التحولات السياسية باسبانيا لها تاثير مباشر على المغرب الجار الأقرب إلى اسبانيا في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط والتي تعتبر شريكه التجاري الأول، وهو الرتبة التي كانت تستحوذ عليها فرنسا سابقا. كما ان اسبانيا تضم ثاني اكبر جالية مغربية بالخارج، حيث يقارب عددهم حوالي مليون نسبة، ويتركزون بشكل كبير بأربعة مناطق وهي مدريد ، فالينسا، كتلونيا والاندلس، وهي مناطق توفر مناصب الشغل بوفرة، كما أنها تضم عددا كبيرا من المهاجرين المغاربة بدون إقامة قانونية، وحزب فوكس وعد في حال نجاحه بطرد كل المهاجرين بدون إقامة قانونية.
لكن تزايد هذا المد الشعبوي اليميني باسبانيا يسير في اتجاه هذه الظاهرة العامة التي تعرفها اوربا، حيث بدأت هذه التيارات تتقوى في البلدان الأوربية الغنية في السنوات الأخيرة، بل ان هذا المد امتد في السنوات الأخيرة إلى البلدان الأوربية الفقيرة شرق أوربا. وهو ما أصبح يهدد القارة العجوز بان تعيد تجربة سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، حيث ارتفعت قوة الأحزاب الوطنية المتطرفة مع تزايد قوة الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى اندلاع اكبر حرب دموية في تاريخ البشرية وهي الحرب العالمية الثانية.