السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

العمراني: الفوز الاشتراكي في إسبانيا أو في فن الاستجابة للنبض المجتمعي

العمراني: الفوز الاشتراكي في إسبانيا أو في فن الاستجابة للنبض المجتمعي عبد الرحمان العمراني

حملت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فوزا كبيرا للاشتراكيين الإسبان حيث حصل الحزب الاشتراكي العمالي على 123 مقعدا وحركةpodemos  على يساره على 42 مقعدا فيما حصل اليسار الجمهوري الكتلاني على 15 مقعدا. وبذلك حصلت المكونات اليسارية الثلاث على ما يفوق الأغلبية المطلقة.

هذا على مستوى المجلس الأول أما في مجلس الشيوخ فإن الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني حصل بمفرده على الاغلبية المطلقة.

فوز كبير إذن لليسار يقطع مع تلك النغمة المكرورة من أن عهد اليسار انتهى وأن قيمه ومرجعيته إلى تهالك.

في المقابل فقد الحزب الشعبي - وهو العمود الفقري لليمين الإسباني- أكثر من نصف مقاعده منحدرا من 127 إلى 68 مقعدا يليه في العائلة اليمينية حزب ciudadanos الخارج من رحم الحزب بـ57 مقعدا فيما حصل اليمين المتشدد المعروف ب Vox الذي ركز على القيم اليمينية والأخلاقوية التقليدية -بما في القيم الدينية الكنسية -على 24 مقعدا.

في كل الاحتمالات السياسية والحسابات الرياضية اليسار عائد إلى الحكم في إسبانيا من أوسع الأبواب.

حينما استمعت إلى النتائج في قناتي BBC و CNN والتعليقات والتحليلات، أدرت الهاتف مباشرة إلى الصديق عبد الله الصروخ، ابن البلدة (بني كرفط) المقيم في مدريد منذ قرابة أربعة عقود. مناضل اشتراكي، متتبع بحصافة للوضع السياسي الإسباني في أدق تفاصيله وملم بحكم عمله كمشغل ذاتي إلى تموجات الوضع الاجتماعي. وحركة الأفكار وتطورات الرأي العام هناك. على سبيل المثال عبد الله يعرف جغرافية مدريد مربعا مربعا ويتكلم الكاستيانو بكامل اليسر وبلاغة النكهة.

فكان هذا الحوار:

ما الذي حدث السي عبد الله وكيف تفسر من موقعك هذا الفوز الاشتراكي؟

الجواب كان طويلا، اقتبس منه الآتي :

أولا: نسبة المشاركة كانت مرتفعة جدا تذكر بسنة 1982التي فاز فيها الاشتراكيين بالإنتخابات في مرحلة ما بعد الفرانكوية.

نسبة المشاركة وصلت 79 /100 ساعد عليها تيسير سبل التصويت عبر البريد.

ثانيا: دخول الشباب والنساء بشكل مكثف إلى الساحة الانتخابية بشكل يذكر بمرحلة الانتقال التي عرفتها اسبانيا خلال المرحلة المفصلية لنهاية الثمانينيات.

ثالثا: انفجار وتصدع اليمين الذي فقدت مكوناته التماسك على خلفية خلافات حادة في موضوعات حاسمة ومنها مثلا الهجرة أخلاقيات العائلة والزواج، نوعية الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، تدبير الملف الكاتالاني، تمويل الخدمات الاجتماعية، علاوة على قضايا الزبونية في سلوكياته والتي ضاق المجتمع الإسباني ذرعا بها .

ويضيف عبد الله أن التحالف بين مكونات اليمين الثلاثة الذي أطاح بالحكومة المحلية في Andalucia  مؤخرا كان ظرفيا ولم يمنع من انفجار التناقضات في صفوفه بمجرد نهاية تلك المحطة.

رابعا: وهذا هو بيت القصيد وهذا هو الأهم وهذا هو السبب الرئيسي في الفوز الاشتراكي يضيف عبد الله: لقد تمكن الاشتراكيون الاسبان، قيادة سياسية وتنظيمات موازية من قراءة صحيحة وناجعة لما يعتمل في الباطن العميق للمجتمع الإسباني بكل طبقاته من تحولات فكرية ومن مطالب وانتظارات ومزاج عام.

وإذا جاز لي -يضيف عبد الله - أن اخلصها في مستويات ثلاثة امكن لي القول :

في مستوى النزوع العام "عودة قوية لمطلب العدالة الاجتماعية بعد سنوات من وهم تفتيت القطاعات العامة وإطلاق العنان للأسواق واللهث وراء النعيم النيوليبرالي المبتعد كل سنة كالسراب.

في مستوى السياسة الاقتصادية والاجتماعية. فهم الاشتراكيون واستفادوا من التبرم العارم للشرائح الاجتماعية المختلفة من سياسات التعاقد المحدود في سوق العمل. (ثلاثة إلى 6اشهر) والتي تذكر بسياسة المحافظين في بريطانيا المعروفة باسم

zero hour contracts .

حيث طالب الاشتراكيون بتغيير جذري بهذا الخصوص وبرفض كامل لإخضاع القطاع الطبي لخوصصة متطرفة، وهو ملف اجتماعي يحظى بأولوية كبيرة بفعل التطور الديموغرافي في إسبانيا وما يولده من احتياجات.

شيء آخر أضاف الأخ عبد الله مشجع جدا بالنسبة لنا، هناك تيار مهم داخل الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني بسياسة خارجية أكثر انفتاحا على الجوار المتوسطي وخاصة المغرب.

قلت للصديق عبد الله لو جاز لك أن تلخص هذا الفوز الاشتراكي في جملة واحدة فماذا أنت قائل؟

رد، بدون تردد سأجيبك "انه فضيلة الإنصات للنبض العام وفن الإنصات لحركية الأفكار وواقع الانتظارات داخل المجتمع، فضائل وخاصيات تأتي أكلها السياسي بكل وضوح".