الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المجيد مومر: الكتلة التاريخية، الإسلام السياسي والوصايا العشر لمحمد عابد الجابري 

عبد المجيد مومر: الكتلة التاريخية، الإسلام السياسي والوصايا العشر لمحمد عابد الجابري  عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس تيار ولاد الشعب 
ننطلق في تركيب المقال من طرح هذا السؤال: ما هو موقف محمد عابد الجابري من ركوب "شيوخ الاسلام السياسي" على أطروحته المتعلقة بتشكيل الكتلة التاريخية؟! .. 
ولأن المرحوم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، فلا يمكن إستقراء الجواب إلا بكشف الحجاب عن تفاصيل الصيغة الأخيرة التي اعتمدها المفكر محمد عابد الجابري لتوضيح غاياته والأهداف المنشودة من الكتلة التاريخية. وفي مقالة اختار لها عنوان "الكتلة التاريخية وأولوية الثقافي"، يؤكد الفقيد على أن الغاية السامية هي بلوغ المجتمع مرحلة تفتقد فيه التصنيفات القديمة أهميتها ومُبرِّرَها مما يسمح بظهور تيارات ثقافية وإيديولوجية جديدة تخرج من جوف الكتلة ككل لِتَحُلَّ مَحَلَّهَا. 
ومنه فإن الكتلة التاريخية هي وسيلة أرادها الراحل لتيسير إبراز قوى مجتمعية جديدة وليست غاية في حد ذاتها، تيسير إبراز قوى وطنية شابة قادرة على تجاوز إكراهات الحاضر وتحديات المستقبل (التقدم). ولعل هذا هو عمق المستور الذي يناقض ما طرحه المشاركون على مدار يومي 26 و27 أبريل ضمن أشغال ندوة نظمتها مؤسسة تحمل اسم الفقيد، حول موضوع “في الحاجة إلى الكتلة التاريخية”.  
ولو كان الفقيد الجابري على قيد الحياة، لما سمح لشيوخ "الإسلام السياسي" بالركوب على هذا المفهوم الذي طرحه في سياق زمني من القرن الماضي، ثم قام بإعادة تنقيحهِ لاحقا بعد أن شرح لمن يهمهم الأمر بأن أهداف الكتلة التاريخية وجب أن تكون أهدافا للمجتمع ككل، وذلك عن طريق تحقيق "الإجماع الثقافي" حولها، هذا "الإجماع" الذي يشكل لحام هذه الكتلة. 
إن الفقيد الجابري لخَّص أهداف الكتلة التاريخية في التنمية الشاملة والديمقراطية والاستقلال الثقافي، وهي أيضا عناصر حُجَّتِنَا في دحض مزاعم بعض المشاركين في الندوة المذكورة الذين يتناسون أن الكتلة التاريخية تتطلب من الأحزاب والتنظيمات الكهنوتية  التخلص من الشرنقة المترهلة التي تسجن فيها نفسها لتتمكن من الارتباط ارتباطا جديدا، حيا وفاعلا، بجسم المجتمع، والمساهمة بالتالي في بعث الحركة فيه من جديد مثلما أكد عليه المرحوم محمد عابد الجابري. 
هكذا إذن نمضي في التنقيب عن تمثلات الإجماع  الثقافي الذي يمكن تحقيقهُ مع التنظيمات المؤدلجة للإسلام (جماعة عبد السلام ياسين وجماعة التوحيد والإصلاح كنموذج). وما الفائدة من التكتل التاريخي مع جماعات "الإسلام السياسي" التي استغلت التجربة الديمقراطية بالمغرب للوصول إلى رئاسة الحكومة دون أن تستطيع تحقيق التنمية الشاملة بعد مرور ما يقارب الولايتين حكوميتين ؟!.
وكيف السبيل إلى إحقاق الاستقلال الثقافي و نحن في مواجهة تيارات داخلية مؤدلجة للدين ومُسْتَلَبَةُ العقلِ والإرادة؟!، تيارات نقلت تجربتها من خارج تراث الوطن المغربي ولها تبعية مكشوفة للشرق فيما يخص تأصيلاتها النظرية وفي ما يخص كذلك مواقفها من حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة. لأن مواجهة الاختراق الثقافي تتطلب ليس مواجهة الآخر فحسب، بل أيضا مواجهة الأنا -أَنانِياتِها وأَوْهامِهَا - كما أكد على ذلك صاحب نقد العقل العربي.
ولأن المناسبة شرط، فلابد لنا من التمعن العميق في عقلانية الوصايا العشر المستقاة من أعماق ما كتبه الفقيد محمد عابد الجابري لكي نستطيع صيانة أفكاره التقدمية التي أفنى من أجلها سنين عمره المعطاءة، و حتى نتمكن كذلك من حماية أعماله الجليلة من الإستغلال السياسوي ومن التحزيب المُشَوِّه.
الوصية الأولى:  
"إن الخروج من“ عنق الزجاجة ” كثيرا ما يبدو مرهونا باللجوء إلى وسائل أخرى لكسر عنق الزجاجة ذاك. غير أنه غالبا ما يحصل هذا دون استحضار إمكانية الدخول في عنق زجاجة أخرى!".
الوصية الثانية:
"الحداثة تبدأ باحتواء التراث وامتلاكه، لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة من " القطائع" معه إلى تحقيق تجاوز عميق له، إلى تراث جديد نصنعُه".
الوصية الثالثة:
 "إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتَحْسينِيَاتُه... وهكذا فعندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءا من مقاصد شريعتنا، فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة، بل سنكون أيضا قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن لها الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد".
الوصية الرابعة:
"ضرورة اعتبار مقاصد الشرع، وهذا ما ركز عليه ابن رشد بصفة خاصة في كتابه "الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة". فجاء الشاطبي ونقل تطبيق هذه الخطوة من مجال العقيدة إلى مجال الشريعة فدعا إلى ضرورة بناء أصول الفقه على مقاصد الشرع بدل بنائها على "استثمار الألفاظ" كما دأب على العمل بذلك علماء الأصول انطلاقا من الشافعي. وبذلك يكون الشاطبي قد خرج عن سمت المؤلفين في الأصول منذ الشافعي لِيَشُق سبيلا أخرى مختلفة تماما.
وبما أن الأصوليين قد اعتمدوا منذ الشافعي على الاستنباط (استنباط المعنى من النص الديني) والقياس (قياس ما ليس فيه نص على ما فيه نص)، وبما أن القياس الفقهي إنما يقوم في أقوى أنواعه على "العلة" التي يظن الفقيه أنها المقصودة بالحكم. فإن الشريعة في مُجْمَلِهَا إنما تقوم على الظن، وهذا باعتراف الفقهاء أنفسهم ".
الوصية الخامسة:
"الجماعات الدينية التي تمارس اليوم الإسلام السياسي بوسائل غير سياسية لا تختلف في شيء، من حيث هي ظاهرة اجتماعية سياسية، عن الجماعات اليسارية المتطرفة التي سلكت المسلك نفسه في أوروبا وأمريكا اللاتينية خلال القرن التاسع عشر والعشرين، من باكونين وتروتسكي إلى شي غيفارا وغيره ممن ينتسبون إلى  الحركات الثورية العالمية، ويُدرجهم خصومهم الإيديولوجيون ضمن مقولة “الفوضوية” أو ”الطفولة اليسارية” أو “نزعة التطرف”، أو مقولة “الإرهاب الدولي” الخ..".
الوصية السادسة:
 إذا كان لنا أن نبحث عن الإطار الوطني المحلي الذي خرجت من جوفه الجماعات الإسلامية التي تمارس السياسية بواسطة نوع من الحرب يطلق عليه اليوم بعضهم إسم “المقاومة” وبعضهم إسم “الإرهاب”، فإن هذا الإطار لن يكون شيئا آخر غير ذلك الذي حمل ويحمل إسم “جماعة الإخوان المسلمين".
الوصية السابعة:
"نريد أن نبين أن ممارسة السياسة بتوظيف الدين عملية تحمل تناقضا جوهريا: ذلك أن مجال السياسة هو مجال الجزئي والنسبي، مجال المحاولة والخطأ الخ، أما الدين فمجاله هو المطلق. ولذاك نجد الداعية السياسية باسم الدين لا يقدم نتائج جزئية ملموسة، وإنما يقدم نتيجة مطلقة وهي الثواب في الدار الآخرة: الجنة. والمفارقة المثيرة في هذا السياق هو أن صاحب الدعوة يطلب لنفسه النتائج السياسية الجزئية النسبية...! في حين يعِد من يستقطبهم بنتائج مطلقة، ولكن لا في الدنيا ،بل في مجال المطلق: في العالم الآخر!
فكأنما الدنيا خُلِقَت لهُم... والآخرة لأتباعِهم ".
الوصية الثامنة: 
"إن الذين يفكرون تحت وطأة الأفكار المُتلقاة يستسهلون القتل، وربما يخلطون بين هذه "الأفكار" وبين دوافع أخرى "في نفس يعقوب"، تتحرك داخل الشعور واللاشعور، مما يجعل من خلخلة الاعتقاد الأعمى في الأفكار المُتلقاة واجبا".
الوصية التاسعة: 
"ومما يُؤْسَف له أن كثيرا ممن يبادرون إلى التعبير عن "رأي الدين" حين يسألون عن أمور يفترض أنها من اختصاصهم، لا يتريَّثون ولا يرجِعون لا إلى المراجع ولا إلى المصالح فتكون النتيجة:  الفتوى عن جهل مركب".
الوصية العاشرة: 
"أما فتاوى التكفير التي هيَ كُلُّ ما كان لدى خوارج الأمس من بضاعة "فكرية" – وهل يَختلفُ حال خوارج اليوم؟! -. فهي لم تَنْشُر الإسلام ولم تُعَزز صُفوفَه، بلْ بالعكس فرَّقت الصُّفُوف، بما في ذلك صُفوفهُم هُمْ، فكان أصحاب تلك الفتاوى ممن يصدق فيهم قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (المائدة- 159).