السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: نبش لفهم واقع السلطة والتسلط بجبهة البوليساريو

الحسين بكار السباعي: نبش لفهم واقع السلطة والتسلط بجبهة البوليساريو الحسين بكار السباعي، باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
من خلال المناقشات والتحاليل المتاحة لعوامل التأسيس السياسي لجبهة البوليساريو نجد ان التركيز كان على مناهج متعددة منها ما يعبر عن الفهم الإنفصالي الماركسي لينيني كان أو تروتسكي وحتى ماوي، واخر يعبر عن المفهوم القيادي وتبعية الفرد والمجتمع له، ويرجع امتلاك القوة في المجتمع الى امتلاك مصادرها واسبابها أكثر من امتلاك الاخرين لها فمن يملك يكون هو صاحب القرار.
قديما كان من يمتلك القوة الجسمانية يحصل على ثمار وارض وصيد اكثر من غيره ومع التطور اصبح من يمتلك رأس المال كالغذاء فهو يمتلك القوة والقرار وهو من يسيطر على الاخرين والقوة لها عدة اشكال سياسية واقتصادية وإما ان تمارس القوة بالترغيب او بالترهيب والاجبار عن طريق المنح والمكافآت واذا خالفت الجماعات قرارات مجموعة القوة في المجتمع فهي تحرم من هذه المنح وتجبر على الخضوع لتوجيهات جماعة القوة وبالتالي فمن يمتلك مصادر القوة سيتفوق على الاخرين سواء كانوا افراد او دول ويضمن خضوع الاخرين له .
وحتى يتسنى لقرائنا الكرام، فهم طبيعة قيادة البوليساريو، فإننا اليوم سنقف على مبدأ مهم، بل ركيزة ثابتة في القواعد القبلية عند قبائل الصحراء، وهنا نتحدث عن ما يسمى بالأثر، فالولد يعرف بأبيه وجده وجد ابيه، وبهاته القاعدة يعرف هل الفرد ينتمي حقا للقبيلة أو هو مجرد إدعاء، هذا المنطق لا يمكن القفز عليه، وبما أنه قاعدة فستكون نقطة انطلاق تحليلنا لقيادة البوليساريو.
يعتبر القيادي خطري ادوه ثاني رجل بعد ابراهيم غالي زعيم القيادة الإنفصالية، ولد في أواسط خمسينيات القرن العشرين في منطقة الساقية الحمراء وهو رئيس البرلمان و حاصل دبلوم ماجستير محاسبة ومالية من جامعة الجزائر، تعود أصوله إلى قبيلة "تنواجيو" وهي اليوم قبيلة موريتانية يرجع نسبها إلى السادة الأدارسة العلويين، توجد أهم مضاربها في جنوب شرقي موريتانيا، والده كان تلميذا للشيخ الصوفي ماء العينين ولد الشيخ محمد فاضل الذي أسس مدينة السمارة بالصحراء المغربية، اليوم خطري ادوه قيادي بجبهة البوليساريو ممثلا لأهل الشيخ ماء العينين كما جاء في موقع جبهة البوليساريو انتفاضة ماي.
الإشكال الغير مفهوم والغير مقبول، ان يدعي احد انتماءه لعائلة الشيخ ماء العينين، في حين أنه لا ينتمي لهاته العائلة العالمة بأصول الدين والشريفة النسب والحسب، وهو ما يمكن اعتباره تراميا على اصل دون اصل، ولعل التبرير المفهوم أن خطري لو لم يكن هذا الادعاء بانتمائه لأهل شيخ ماء العينين فلن يجني من الثمار حبة، فكما سبق ذكره فقبيلته الموريتانية لا علاقة لها بالصراع لا من قريب ولا من بعيد، ولا شك أن قبائل تكنة الغير معنية بالصراع اجدر منه بهاته المناصب بالرغم من بعد الصراع السياسي في قضية الصحراء، فهي تشترك في التنظيم القبلي، وتماس الحدود المجالية للقبائل وحتى علاقات المصاهرة والنسب، اما بالنسبة لقبيلة تنواجيو الموريتانية فلا علاقة لها بأي شكل من الأشكال، وهي القبيلة التي ينتمي لها رئيس البرلمان الإنفصالي التي يقرر ويتحدث بإسم الصحراويين، بمعنى أن يتحدث الإنسان موريتاني الأصل بلسان الفرد الإنسان الصحراوي ويقرر مكانه،
لا غرو في أن الانسان  المقهور لا يجد بدا من الرضوخ والتبعية في علاقته مع السلطة، وهو الواقع اليوم من داخل مخيمات تندوف، فالرضوخ صار آلية تلقائية لاتقاء الأذى في علاقة محتجزي تندوف بقيادة البوليساريو مع التسلط، ويمكن للقارئ أن يبحث في محركات البحث عن صرخات شباب التغيير الذين يعانون التهميش والعبودية ونساء التغيير اللاتي يعانين بصرخات صامتة تتألم لوقائع الإغتصاب والمجون والعمل بمنطق الخدمة مقابل تلبية الرغبة.
ويمكن فهم استمرار قيادة بعيدة عن اوجه الصراع في الصحراء المغربية، ولا علاقة لها بالإنسان والمجتمع الصحراوي في التحكم بمجتمع راضخ، في مسألة التسابق لإرضاء المتسلط المتحدث بلسان السلطة، لمجرد اتقاء للشر وربما طمعا في الرضا، مما اثر بشكل مباشر في الميزان المجتمعي بين السيد والتابع لتكون القاعدة فيه، وشرط الوطنية لا يتعدى علاقة المحكوم بمدى تقربه من السيد الجائر في منحنى شديد الميول، وهو ما تكون نتيجته علاقة تبعية، تتطور إلى التفنن في تصرفات التزلف والمداهنة وتعظيم السيد.
شئنا في هذا المقال التطرق للرجل الثاني في جبهة البوليساريو، وربطنا علاقته القبلية بإشكال احقية القيادة، ونحن لا نشك أنه لو ترك التفاوض وحل اشكال الصراع بين المغرب والصحراويين بتندوف لانتهت المأساة، ولجتمعت الأسر، وتمت مواصلة بناء مجتمع سليم، ولأن القيادة المتحكم في تندوف لاعلاقة لها بالصراع، فهي لا تحبذ ان تجعل له نهاية، لأنه نهاية المشكل هو نهايتها، لسبب بسيط كونها لن تجد لها وطنا ولأنكشف الغبار وسدل الستار عن قيادة تدعي انتماءها لقبيلة وتحدث بلسان مجتمع راضخ.
 وحتى لا نطيل، كلما ازداد رضوخ المجتمع تزداد قوة المستبد ومعها تتسع الهوة، لتؤسس لعصر الانحطاط الذي ينتج عنه انعدام قيمة الانسان واستنفاذ جهده في محاولة بقائه على قيد الحياة على أرض شديدة القفار، ويصبح المجتمع المقهور متنقلا بشعوره نحو مرحلة أسوأ وهي مرحلة الاجتياف حيث يرى في نفسه مواتا وكأنه يستطيع رد الضيم عنه ولا تغيير واقعه.
ختاما، تستحضرني قصة، تكون ختاما وعبرة يلتقطها اللبيب، تقول القصة، كان عمر كعادته يخرج في الصباح الباكر، يلتقي بمجموعة من سكان الحي، يلقي عليهم السلام، يرد عليه أحدهم مخاطبا زملاءه: مسكين هذا الرجل، يخرج صباحا ولا يعود إلا في المساء، ثم ينغلق على نفسه في البيت.
 يعود عمر في المساء، يجد نفس المجموعة في نفس المكان، يحييهم، ثم يقول لنفسه: مساكين هؤلاء الأصنام، لم يتحركوا من مكانهم طوال هذا اليوم.