الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

عبد الوهاب تدمري:ب/حركات الإسلام السياسي(3)

عبد الوهاب تدمري:ب/حركات الإسلام السياسي(3) د. عبد الوهاب تدمري
تشرع جريدة "أنفاس بريس" في نشر حلقات من مقال تأملي للباحث د. عبد الوهاب تدمري بعنوان: "في صعوبات الانتقال إلى الديمقراطية"، وهو قراءة مستفيضة ناقش فيها كاتب المقال وجهة نظره وأفكاره وتحليله الشخصي للواقع السياسي وما يرشح به من تناقضات واشتباكات وتعقيدات.
لا يختلف اثنان في ما يتعلق بارتباط هذه الحركات منذ نشأتها وإلى حدود الآن بالأنظمة الرأسمالية الاستعمارية التي رعتها ودعمتها من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار داخل الدول والمجتمعات التي تعتبرها مارقة و مناوئة لمصالحها الاستراتيجية. بل أكثر من ذلك وخلال العشرية الأخيرة عمدت هذه الدول الاستعمارية إلى توظيف هذه الحركات بتفرعاتها المتطرفة في مشروعها الجديد القائم على خوض الحروب بالوكالة من أجل تفتيت الدول و والمجتمعات ،وذلك بإذكاء النزاعات والحروب الطائفية والمذهبية بما يتماهى ومفهوم الفوضى الخلاقة.
في نفس السياق يمكن القول كذلك، أن هذه الحركات استفادت كثيرا من رعاية الأنظمة الرجعية لها خاصة في مرحلة الستينات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وذلك من أجل مجابهة ومواجهة مد قوى اليسار التقدمي الذي كانت ترى فيه هذه الانظمة تهديدا لحكمها المطلق، في ما كانت ترى فيها هذه الحركات قوى ملحدة تهدد ثوابت الأمة ومفسدة لأخلاق المجتمع. وهذا ما جعل من هذه القوى التقدمية عدوا مشتركا مستباحا دمها سواء بالاعتقالات أو الاغتيالات التي كانت تشرف عليها الأنظمة السياسية الدكتاتورية تارة أو تلك التي كانت تشرف عليها تلك المجموعات المحسوبة على حركات الإسلام السياسي تارة أخرى، والتي طالت الكثير من الإعلام الفكرية والسياسية المحسوبة على الصف اليساري التقدمي.
لكن الآن وبعد أن بدأ التعبير بشكل مكشوف عن هذا الدعم من طرف قوى الرأسمال العالمي يمكن القول إنها استفادت كثيرا مما تلقته من رعاية مالية وسياسية مباشرة وغير مباشرة منذ نشأتها سواء من طرف القوى الاستعمارية أو من طرف أنظمة الحكم الرجعية التي تدور في فلكها من خلال غض النظر عن أنشطتها السياسية والدعوية شريطة توجيهها نحو من تعتبرهم خصومها وأعداء لها من القوى المحسوبة على الصف اليساري والديمقراطي، بل ومن أجل اجتثاث منابع الفكر التنويري والتقدمي عمدت هذه الأنظمة إلى إعدام الكثير من المقررات الدراسية والمناهج التعليمية التي اعتبرتها سببا في انتشار الفكر النقدي الرافض للاستبداد والتحكم، في مقابل تغليب المناهج التربوية التي تعتمد النقل وتعدم العقل. وهو ما استفادت منه كذلك كثيرا هذه الحركات التي استطاعت مع مرور الوقت تسيد مشروعها الفكري والثقافي وما يتمثله من قيم معادية للحداثة والديمقراطية وذلك بعد أن تحكمت في جل مؤسسات الحقل الديني والتعليمي.
إن واقع هذه الحركات على مستوى المغرب لا يختلف عما هي عليه في عموم العالم الإسلامي والدول العربية، رغم بعض الخصوصيات ذات الصلة بالموروث الثقافي والديني والروحي للمغاربة الذي كان دوما ينزع إلى الاستقلالية عن المشرق الإسلامي، وكان المغرب يشكل في حد ذاته مدرسة في العلوم الفقهية بفعل الدور الريادي الذي كانت تلعبه جامعة القرويين، إضافة إلى تعدد المدارس الصوفية التي يتميز بها عن باقي الأقطار الإسلامية، وتجذر القوانين العرفية في النسيج الاجتماعي المغربي. كل هذا ساهم في تأخر ظهور هذه الحركات مقارنة بالمشرق العربي، وصعب إلى حد ما أمن داء وانتشار هذه الحركات المتشبعة بالفكر السياسي المشرقي في شقيه الإخواني والوهابي رغم الدعم والرعاية التي حظيت بها من طرف المخزنية في مرحلة تاريخية معينة. وعلى الرغم من الدعم الذي حظيت به ولا تزال من طرف قوى الرأسمال العالمي. وهو ما جعل كذلك صعودها يتم بطريقة بطيئة بالمقارنة مع مثيلاتها في باقي أقطار العالم الإسلامي. وهو ما دفعها إلى وضع إستراتيجية تعتمد القضم المتدرج لمؤسسات الدولة والمجتمع، وذلك بدعمها التكتيكي أولا لمبدأ إمارة المؤمنين، التي أدركت أنه المدخل الرئيسي للولوج إلى مؤسسات الحقل الديني مما سيسهل من عملية انتشارها، وذلك خلافا لما يعتقده البعض بأنه صمام أمان ضد تغول هذه الحركات ومحجما لاستقوائها. كون هذا المبدأ هو حديث العهد بالدولة المخزنية يعود في استحداثه إلى بداية الستينات من القرن الماضي وليس متأصلا في التجارب السلطانية المتعاقبة على تاريخ المغرب التي كانت دوما مستقلة عن دول الخلافة في المشرق وما كان يتخللها من صراعات وتطاحنات مذهبية، وكانت قوتها تكمن في ما يختزنه المجتمع المغربي من منظومة أخلاقية وثقافية وروحية خاصة به. وثانيا العمل والضغط في اتجاه تغيير المناهج التربوية والتعليمية بما يخدم مشروعها الفكري والسياسي، وذلك إما من داخل ما يتيحه لها مشاركتها في تدبير الشأن السياسي وترأسها للحكومة، إضافة إلى تغلغلها في النسيج الجمعوي المدني وتأسيسها للكثير من المؤسسات الخيرية التي تحظى بحصة الأسد من الدعم، خاصة من داخل الجماعات والمجالس الخاضعة لسيطرتها السياسية أو من خلال ما تضخه من استثمارات خاصة في قطاع التعليم الخصوصي، سواء برأسمال مغربي أو برأسمال التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين من قطر وتركيا. هذا بالإضافة إلى التشجيع الرسمي الذي تحظى به المدارس القرآنية منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني. كل هذا جعلها تتسيد مشروعها الثقافي والفكري ليطال فئات واسعة من المجتمع المغربي وتتبوأ بشكل سلس الصدارة في المشهد الحزبي، بما سيؤمن لها الفوز في أي استحقاق انتخابي مستقبلي، نظرا لضعف المشاركة الشعبية في هكذا استحقاقات، في مقابل استقرار قاعدتها الانتخابية التي تعمل على توسيعها باستعمال كل أشكال الريع الديني والاقتصادي. هذا رغم ما يعتري عملها الحكومي حاليا من فشل، وتمرير الكثير من القوانين والتشريعات المجحفة في حق الشعب المغربي المملات من طرف المؤسسات المالية الدولية. إلا أنه على الرغم من كل هذا ستظل الفاعل السياسي الأساسي إلى جانب الدولة المخزنية، ومصدر أمل بالنسبة لشرائح لابأس بها من المجتمع المغربي الذي بدا يفقد بعض مقومات مناعته الروحية والدينية التي جعلته ولقرون من الزمن مستعصيا عن كل محاولات الاستيلاب والاختراق من طرف قوى التطرف الإسلامي الشرقي. هذا ناهيك عن غياب مشاريع سياسية ديمقراطية بديلة تعيد للمجتمع آماله في مغرب آخر ممكن ومنيع بمقوماته الثقافية والحضارية والروحية.