السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

القاضي وردي: هناك محامون يمارسون "المحاماة المعيشية"ومنهم أغنياء من التعفف

القاضي وردي: هناك محامون يمارسون "المحاماة المعيشية"ومنهم أغنياء من التعفف حكيم وردي
ضمن سلسلة مقالات وحي القلم، التي يدونها حكيم وردي، القاضي والباحث القانوني، فيما يلي مقالة عنونها بضريبة الدفاع، وذلك على خلفية موضوع الملف الضريبي للمحامين:
ارتبطت المواطنة - على الأقل منذ الثورة الفرنسية - بأداء الضرائب، كنوع من الفاعلية الإيجابية في تحمل الأعباء العامة، والسخاء بالمال تعبيرا عن المسؤولية اتجاه المجتمع. لذلك لا يتصور أن يتهرب المحامي ضريبيا بتكوينه القانوني وعمقه الحقوقي والتزامه الأنطلوجي بقضايا مجتمعه سياسيا واقتصاديا، أو أن يرفض التنازل عن جزء من أتعابه لفائدة الدولة.
ومنذ الأزل ظلت المحاماة في عمقها النبيل نقيض التجارة، وأسمى من شهوات الربح والخسارة، وحرمت قوانينها وأعرافها على ممارسيها المضاربة، والمرابحة، بل إن اللغة لم تسمي ما يتلقاه المحامي نظير مذكراته واستشاراته ومرافعاته أجرا أو عمولة، ولكنها انتقت عبارة أكثر انسجاما مع رسالة الدفاع وهي الأتعاب.
غير أن زمن التردي الذي كتب علينا العيش فيه يأبى إلا أن يذكرنا بأنه إلى جانب المثال الذي رسخته الأجيال عن سمو المهنة وشموخها، هناك الواقع المؤلم الذي يتخبط فيه العديد من أبنائها حيث لا مكتب للممارسة، ولا ملفات منتظمة، ولا أتعاب قارة. لذلك يبدو مستغربا أن تطفو على السطح لغة تتعاطي مع المهنة بمنطق السوق، وافتراض سوء النية في التصريح بالدخل، والتلويح بإمكانيات المراجعة الضريبية عند رفض الانخراط في اتفاق أداء 30 ألف درهم كحد أدنى و 500 ألف درهم كحد أقصى.
أكيد أن العرض الذي قدمته الإدارة الضريبية لهيئات المحامين يبقى اختياريا ولا يخلو من إيجابيات مهمة خصوصا بالنسبة للمكاتب الكبرى التي تربطها اتفاقيات وعقود مع الأبناك وشركات التأمين، وهي مكاتب محدودة ومعدودة بالمقارنة مع الغالبية العظمى من الزملاء، لاسيما الشباب منهم الذين قد تعصف مسطرة تصحيح أسس الضريبة كما هي منصوص عليها في المادة 219 وما يليها من المدونة العامة للضرائب بمكانتهم كطبقة وسطى بمفهوم "ماكس فيبر" داخل سلم الهرم المجتمعي. مما سيساهم في إضعاف القدرة الشرائية و تأزيم وضعية فئة مهمة داخل بنية المجتمع.
ولنكن صرحاء، فالكثير من الزملاء هم تحت عتبة الفقر، والكثير منهم غارق في الديون والأمراض والهشاشة، تحسبهم أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا، وبعضهم يمارس المحاماة المعيشية، وبالتالي فمن غير العدالة الضريبية في شيء أن تفرض قاعدة واحدة على الجميع بدون استحضار للتفاوت في الدخل كانعكاس طبيعي لعدم المساواة في الحصول على الملفات. أما الذين يعتقدون أن جميع المحامين أثرياء يراكمون العقارات والمنقولات ويخبئون أموالهم في الملذات الآمنة، فما عليهم إلا أن يقوموا بجولة في المحاكم وأن يصيخوا السمع عن مرويات الفاقة والخصاصة التي تحيق بالكثير من أبناء البدلة السوداء.
وإذا كانت المحاماة في المغرب قد ظلت وفية لقيمها في العطاء تفتح أذرعها للجميع بكل سخاء، وتساهم في امتصاص بطالة حاملي الشهادات خلافا لبعض المهن الحرة التي ظلت نخبوية، فإنه من الإجحاف أن نتعاطى معها ضريبيا كباقي المهن الأخرى، لأسباب موضوعية صرفة مرتبطة أساسا بكثرة المنافسة في مجال المحاماة لاتساع قاعدة الممارسين التي تعد بالآلاف، فضلا عن انتشار غير مشروع لمكاتب تحصيل الديون، والكتاب العموميون وغيرهم ممن يمارسون يوميا مهام المحامي بدون رخصة.. وغيرها من المشاكل البنيوية التي تتخبط فيها المهنة دون أن تجد طريقها للحل.
ومن ناحية قانونية صرفة فإن الإشكال بالنسبة للمحامي يتأسس على صعوبة تحديد المقصود بالدخل المهني في علاقته بالربح ما دام أن الأتعاب لا تعد ربحا. ومتى كانت الحصيلة الخاضعة للضريبة هي ما زاد من العائدات على التكالیف في السنة المحاسبیة التي وقع الالتزام بھا أو تحملھا، فإن إيجاد انسجام مع نظام النتيجة الصافية الحقيقية أو المبسطة الذي يقترحه عرض الإدارة العامة للضرائب لهيئات المحامين كمسلك لعدم تطبيق مسطرة تصحيح الضريبة عن السنوات الأربعة الأخيرة بالنسبة للممتنعين عن الانخراط في الاتفاق، يقتضي توسيع مفهوم الأعباء المهنية ليشمل مصاريف التنقل، والمطبوعات، وغيرها من المصاريف وتحديدها بدقة. بل والسعي إلى إقرار إعفاء جبائي لمدة لا تقل عن خمس سنوات من الترسيم للمحامين المبتدئين الذين يكابدون يوميا لتدبير ندرة الملفات أمام وفرة في العرض وقلة في الطلب.
حري بالجميع أن يفكر اليوم في كيفية توفير تغطية صحية للمحامي ولعائلته ودخل يقيه شر الوقت عند تقاعده، بدلا من إثقال كاهله بالضرائب والتلويح بمراجعة التصاريح المقدمة في شأنها. فتوفير الدخل شرط أولي للمطالبة بالضريبة على الدخل.