الجمعة 17 مايو 2024
مجتمع

بوطيب: المستفيدون الوحيدون من إصدار حكم إعدام قتلة السائحتين هم تجار الدين

 
 
بوطيب: المستفيدون الوحيدون من إصدار حكم إعدام قتلة السائحتين هم تجار الدين عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم

يقر عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، بأن لا مجال لقطع الطريق أمام مثل ما حدث بداية الأسبوع من قتل بشع للشابتين الاسكندنافيتين، سوى تجفيف منابع التطرف الديني الذي لا يستفيد منه سوى تجار الموت. مشددا في حوار مع جريدة "أنفاس بريس" أن ذلك لا يمكن أن يحدث بدوره دون اندلاع ثورة ثقافية على أساس "عالم يتسع للجميع". ملفتا من جهة أخرى، إلى ما يتحمله الفاعل المدني من مسؤولية بعد أن تبين تراجع دوره على غرار خفوت نظيره السياسي.

+ في سياق الحادث الإرهابي الذي أودى بحياة سائحتين أجنبيتين دعوت في أحد المقالات إلى إحداث ثورة ثقافية لمواجهة التطرف والفتاوى العابرة للحدود، فكيف يمكن ذلك في نظرك؟

لاحظت وأنا أتابع تفاعل الناس مع جريمة قتل السائحتين الشابتين الإسكندنافيتين أن قليلا جدا منهم طرحوا الحلول الاستراتيجية العميقة لظاهرة الإرهاب "المحلي". فجلهم رددوا بلسان الغائب: حكم الإعدام....تسابقوا إلى إصدار مثل هذا الحكم الذي ليس لا في مصلحة عائلة الضحيتين ولا في مصلحة أقربائهما ولا في مصلحة المجتمع برمته - هنا وهناك - حتى قبل الاستماع إلى المؤسسات الأمنية الساهرة على كشف حقيقة الواقعة. فاللسان الذي تحدثوا به، وطالبوا بحكم الإعدام هو لصاحب الرأس الذي أقنع منفذي الجريمة للقيام بها. أي تجار الدين والموت الذين لا يريدون السكينة والطمأنينة للناس.

من حق أي كان أن يطالب بأي حكم، فليس كل المرجعيات تحترم الحق المقدس في الحياة، لكن من حقنا نحن، المهووسين بضرورة احترام حق الناس في الاستمرار في الحياة مهما كانت جرائمهم، وإنزال العقوبات المستحقة التي تراعي المصلحة الراهنية والمستقبلية للمجتمع، وتحاكم المجرم المستتر والظاهر في نفس الوقت، أن نطالب هؤلاء بضرورة بالتروي والتفكير معنا لنصل معا إلى الكشف عن طرق فبركة مثل هذه الوحوش الآدمية التي ترتكب مثل هذه البشاعات، إلى من وراء هذه "الصناعة" المربحة، إلى من ينظر لها، و يفتح أبواب الجنة/ الوهم أمام هؤلاء المنفذين "الصغار"، إلى من يبتز الدولة والمجتمع داعيا إلى أنه يحميها من التطوير المحلي لهذه الصناعة، وهو في الحقيقة يفرمل التقدم نحو دولة الحق والحريات ويساهم في صناعة المنفذين الصغار للهمجية.

وهذا العمل كما قلت في أكثر من مقال يحتاج إلى ثورة ثقافية حقيقية. على الفكر الوهابي وعلى غير الفكر الوهابي، ذلك أن اعتقادي راسخ جدا أن كل من يخلط الدين بالسياسية سيفكر في القتل يوما، قتل يأخذ عدة أسماء و لن يتعب القائم به لإيجاد مبرر له في بعض تراثنا الديني وما تفرع عنه من كتب صفراء محتوياتها تثير الغثيان.

ومبتدأ هذه الثورة الكف عن الترديد بأننا "أحسن الأمم والأديان"، والسماح لأنفسنا بناء على ذلك -وبشكل يثير شفقة العالمين- باحتقار باقي الأمم المتقدمة حقيقة في كل المجالات، والتي تركتنا حيث كنا دائما، واحتقار كذلك المؤمنين بغير ما نؤمن به، والنبش في تراثنا الديني للبحث عن كل ما يمكن أن يسمح لنا بإهانة الآخر "الكافر".

من هنا فالثورة الثقافية التي أطالب بها، ويطالب بها جل الذين يشتغلون من أجل عالم يتسع للجميع، هي ضرورة التسريع بمراجعة جذرية لكل ما يحث على الكراهية والاحتقار في تراثنا، فهو موجود، لا مجال للتستر عليه بحجة أو بأخرى، لأن ذلك ليس في مصلحة أي كان، المستفيدون الوحيدون منه هم تجار الدين والموت. وهذا بطبيعة الحال يمر أساسا عبر تجفيف منابع التطرف الديني، الممتدة من أوكار الخزعبلات إلى بعض المؤسسات السياسية – الدينية التي تأخذ اكثر من شكل مستتر، كما أن تجاوز المقاربات الترقيعية والتلفيقية ضرورة ملحة اليوم قبل الغد.

+ بعض المراقبين يرون أن فكر المتطرفين ينهل من وجود مدارس عتيقة التي تحث على كراهية الآخر، ألا يدعو الأمر إلى إصلاح منظومة التربية والتكوين؟

نعم، و بالضرورة، أمس كنت في ملتقى عالمي للحوار، وكانت بيننا الشابة الأزدية، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ومنذ بداية كلامها وهي تحث على ضرورة إيجاد نظام تعليمي عقلاني بعيد عن الدين، و حجتها في ذلك – بالرغم من الأمر لا يحتاج إلى الحجج الإضافية اليوم الذي لن نتعب من المناداة به- هو أن داعش عندما هاجمت على قريتها قتلوا الرجال والشباب، ونكحوا وذبحوا النساء، وأحرقوا الممتلكات، وأخذوا معهم الأطفال، احد هؤلاء الأطفال ابن أخ المتحدثة. وهو اليوم من كبار "المقاتلين الإسلاميين" في سوريا، بمليون محاولة حاولت الاتصال به ونجحت، وفي حديثها معها قال لها: أنا على الطريق الصحيح مجاهدا في سبيل الله وقيام دولة الإسلام، إن وصلت إليكم قتلتكم جميعا وخاصة أنت التي تفضحين الإسلام والمسلمين.

أعتقد أن في هذا إجابة شافية على سؤالك.

+ هناك من يرى أن تراجع دور الفاعل المدني والفاعل السياسي هو الذي سمح ببروز الحركات المتطرفة التي استطاعت الإستحواذ على عقول الشباب، فكيف يمكن في نظرك مواجهة هذا الوضع الذي يهدد المجتمع المغربي؟

معهم الحق، أو قل جزء من الحق، فالفاعل المدني اليوم يسكنه خوف الاقتراب من مثل هذه المواضيع حتى باتت الأسماء التي تشتغل على الموضوع قليلة بعدد أصابع اليد، وأصبح ترديدها على لسان "منظري الموت" سهل، من المؤكد أنك استمعت إلى فيديو احدهم و هو يردد أسماء بعض الفاعلين المدنيين المغاربة، و في كلامه حث على سفك الدماء، و لا أحد تحرك لإيقافه، و تطبيق القانون في حقه. و لا احد من الفاعلين السياسيين استنكر الكلام و دعا إلى تطبيق القانون، من هنا فالفاعل السياسي المغربي – ضعيف التكوين السياسي والحقوقي-، و غالبا ما يفكر في عدم استعداء أي طرف وذلك بغية نيل ما يمكن نيله من الأصوات – علما أن لا أحد من هؤلاء يصوتون، وإن صوتوا فهم يصوتون على الأحزاب السياسية التي تخلط بين الدين و السياسية.

لذا أنا اعتقد أننا في حاجة ماسة اليوم إلى تأسيس منتديات للحوار من أجل التفكير في صيغ مراجعة المنظومة التراثية في الاتجاه الذي لا تصطدم مع المنظومة الحقوقية الحاثة على المساواة بين الجنسين و الأجناس برمتها و بين مختلف المؤمنين بمختلف الديانات و غير المؤمنين و لا بدين كيفما كان اسمه. و على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و غيرها من المؤسسات الحقوقية الرسمية و غير الرسمية، المساهمة في هذا العمل الذي سيؤسس حقيقة لمغرب يتسع للجميع.