الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

"دولة" البيجيدي تدق طبول الحرب ضد "دولة" المغرب!

"دولة" البيجيدي تدق طبول الحرب ضد "دولة" المغرب! من اليمين: حامي الدين، سعد الدين العثماني، مصطفى الرميد وعبد الإله بنكيران

"النملة ملي كيبغي يعذبها الله كيعطيها جوانح"، وحزب العدالة والتنمية "مللي بغا يفضحه الله عطاه عبد العالي حامي الدين"!!

ينطبق هذا المثل الشعبي على واقع الحال وشر «الابتلاء» الذي حل به، و"القنبلة الموقوتة" التي زرعها عبد العالي حامي الدين في بيت الحزب. وبالرغم من كل المحاولات والمجهودات من مصطفى الرميد (وزير حقوق الإنسان) وسعد الدين العثماني (رئيس الحكومة)، وباقي «الحواريين» لتفكيك هذه القنبلة، انفجر جزء منها في وجوههم.

منذ صدور قرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس بإحالة حامي الدين على غرفة الجنايات بالمساهمة في القتل العمد للطالب القاعدي محمد بنعيسى أيت الجيد، أخرجت جميع قيادات المصباح مدافعها وأسلحتها الخفيفة والثقيلة لإعلان الحرب على الدولة ونسف «محراب» القضاء الذي يعد أحد مكونات بنيان الدولة، وهم يحملون في صدورهم «تهديد» عبد الإله بنكيران «لن نسلمكم أخانا حامي الدين». وهو السقف نفسه الذي رفعه قياديو «البيجيدي» الذين يساومون أمن المغاربة بإفلات حامي الدين من العقاب في خرجاتهم المتعددة وبياناتهم النارية التي تقدم الدليل على أن لا دولة فوق «دولة البيجيدي»، ولا عدالة فوق "العدالة والتنمية".

لذا فلا فرق بين مرحلة بنكيران ومرحلة العثماني في تصريف سياسة «التحكّم» ووضع «القبضة الحديدية» على مؤسسات الدولة وخنق الديمقراطية، ومن تجليات هذا التحكم:

1- ضرب المؤسسات ونسف الدولة:

حزب البيجيدي وفي لنهجه منذ عهد بنكيران عبر استهداف المؤسسات. ففي مرحلة بنكيران كان يتم ضرب المؤسسة التشريعية، والآن في عهد العثماني يتم ضرب المؤسسة القضائية لنسف كيان الدولة، علما أن الدولة ككيان مؤسس على بنيات ومؤسسات وكلما استهدفت هذه المؤسسات معناه تخريب البنيان وبالتالي تخريب الدولة. فما بدأه بنكيران الذي كان يطعن من الظهر المؤسسة التشريعية ويحتقرها ويبخسها ويدنسها يكمله اليوم الرميد في عهد العثماني، من خلال استهداف المؤسسة القضائية، متناسيا أنه ينتمي إلى حزب يقود الحكومة التي من المفروض أن تكون حامية لحرمة مؤسسات الدولة: الملكية - السلطة التنفيذية - السلطة التشريعية - السلطة القضائية. فلا يعقل أن تكون تشتغل كحزب داخل بنية المؤسسات ثم تخرج في الليل لتضرب مؤسسة أخرى تعد أيضا عمادا للدولة ككيان.

2- حزب المصباح وحزب الدولة:

أظهرت الحملة الشعواء التي يقودها الأصوليون أن «البيجيدي» يسعى إلى تحقيق أهم انقلاب في تاريخ المغرب الحديث عبر ترسيم معطى لم يتحقق لأي حزب، ألا وهو تحويلهم الدولة إلى ‘’حزب الدولة’’ أو دولة الحزب’’ (أي أن لسان البيجيدي يقول: ‘’أنا الدولة’’!) على غرار الجزائر وكوريا وعراق صدام حسين. بمعنى أن يصبح حزب البيجيدي هو الدولة وهو المجتمع (مثل ما فعلته جبهة التحرير بالجزائر!)، وكل من ناصب العداء لحزب البيجيدي فهو عدو للدولة وللمجتمع! وهذا هو الخطر الرهيب القادم.

3- التوافق المقتول:

إذا استمر حزب المصباح في هذه السياسة، معنى ذلك أنه يضع حدا للتوافق بينه وبين مؤسسات الدولة. فبنكيران لما فشل في تشكيل الحكومة، حافظ الملك على البيجيدي ليستمر في تشكيل الحكومة وعين العثماني، علما أن الدستور لا يلزم الملك بذلك لوجود فراغ، ولكن الملك أراد أن يستمر البيجيدي، حيث كان بإمكان الملك أن ينادي دستوريا على شخصية أخرى من حزب آخر لتشكيل الحكومة بعد عجز بنكيران عن ذلك، ومع ذلك حرص البيجيدي على نسف وهدم المؤسسات وهو يشتغل في قلبها ومن داخلها.

معنى ذلك أن المصباح مطالب اليوم بإنهاء التوافق الضمني والخروج من المؤسسات ومن بنية الدولة.

4- زحف الأمانة العامة للحزب على الشأن العام:

أصبحت الأمانة العامة لحزب المصباح هي التي تتحكم في الحكومة، وليس الدستور أو القانون التنظيمي للحكومة أو الأعراف الدستورية هي التي تؤطر العلاقة بين السلط. فأمانة المصباح هي من يسير الحكومة والمؤسسات، ورئيس الحكومة يعود إلى أعضاء الأمانة العامة للحزب للحسم في قرارات تهم التدبير الحكومي وتهم تدبير شؤون الدولة. بناء على ذلك أصبح من المعتاد سماع أن الأمانة العامة قررت السماح بمشاركة الوزير الفلاني وقبلت التحالف مع الوزير العلاني، أو أن الأمانة العامة قبلت هذا القرار وعارضت ذلك!

وهذا خطير جدا، لأنه يرتبط بسياسة تمكين حزب الدولة وتجذره. فحتى اليوسفي والفاسي لما فوضت لهما أحزابهما تشكيل الحكومة، لم يكونا يخلطان بين مهامهما الدستورية ومهامهما كأمينين عامين للحزبين.

صحيح أن الحزب (أي حزب في أي دولة) يحدد الخطوط العامة للتحالفات والاستراتيجيات، ولكن نتائج الانتخابات لا تخول للأمانة العامة للحزب بالتحكم والاستفراد بالقرار، لأن الدستور يعترف بمؤسسة رئيس الحكومة وليس بالأمانة العامة للحزب!

حتى في الدول المتقدمة، فالتعاقدات تكون علنية وقبلية، ورئيس الحكومة المعين لا يخضع لإملاءات الأمانة العامة لحزبه العمالي أو الفلاماني أو المسيحي أو الليبرالي أو الشيوعي أو اليميني، لإدخال فلان في الحكومة أولا.

فهو كرئيس الحكومة وبناء على التحالفات الواضحة والتعاقدات المعلنة يتخذ قراره بمسافة عن الحزب لتركيز الديمقراطية وليس لترسيخ تبعية الدولة للحزب.

5- عقدة الرميد كوزير العدل:

لما كان الرميد وزيرا للعدل كان مفروضا عليه (لو كان يتمتع بأخلاق سياسية) أن يحل ملف حامي الدين بالاحتكام للقانون، وكان بإمكانه أن يغلق القضية لو كانت له إرادة في ذلك بحكم أن النيابة العامة كانت تتبع له وتحت رئاسته.

فقد وضعت شكاية عائلة أيت الجيد في عهد الرميد وفيها اتهام للقيادي حامي الدين بالقتل. ولو كان الرميد عاقلا وحكيما لأشرف هو شخصيا على الملف بتتبعه مع النيابة العامة، ليوضح الحقائق ويبعد الشبهة الخاصة بالتستر على زميله وعلى طمس الحقيقة. لكن للأسف، وظف الرميد سلطته على النيابة العامة فجمد الملف وغطى على حامي الدين.

وفي سياق آخر لماذا خرس الناطق الرسمي ورئيس الحكومة ولم يوضح موقف الحكومة من تمرد الرميد على المؤسسات؟ وموازاة مع ذلك ما موقف رئيس الحكومة (الأمين العام لحزبه) يا حسرة من خرجات حزبه وخرجاته هو نفسه ضد المؤسسات؟

6- تسييس الملف من طرف حزب المصباح:

حزب «اللامبا» يريد تسييس ملف حامي الدين القضائي بدل أن يناقش الوقائع: أي هل هناك مشاركة في القتل؟ وهل هناك حالة ترصد وتتبع الضحية من طرف حامي الدين وشركائه لقتل أيت الجيد؟ هل تم إنزاله بالقوة من طرفهم من الطاكسي ومن ثم الإجهاز عليه بوحشية؟ هل هناك نية القتل؟ من أعطى الأمر بالقتل؟ هل الشاهد الذي استمع له قاضي التحقيق هو شاهد بالسماع أم شاهد عاين وعانى؟ هل تم احترام المسطرة الجنائية؟ هل لجأ قاضي التحقيق إلى التعذيب في حق حامي الدين لدى استنطاقه؟ لماذا رفض حامي الدين الجواب عن شهادة الشاهد (الحديوي الخمار) بشأن ما عاينه من مشاهد قتل أيت الجيد على يد حامي الدين وأصدقائه وهم يهوون عليه بالحجر لقتله؟ لماذا لم يتم استئناف قرار قاضي التحقيق من طرف دفاع حامي الدين داخل الآجال القانونية؟ هل الأمر سهو أم جهل بالقانون؟ وهل يجب تأديب دفاع البرلماني حامي الدين على هذا الخطأ أم لا؟!

هذه هي الأسئلة القانونية التي كان على البيجيدي أن يجيب عنها وينور الرأي العام بدل أن يقوم بـ ’’الحيحة’’ ويسيس القضية. فالتسييس هو حيلة البيجيدي كلما تورط زعيم منهم في فضيحة ما (جنسية أو نهب للمال العام)، وهي حيلة يلجأ بعدما تأكد البيجيدي من فقدان عذريته السياسية وفقدانه للطهرانية الأخلاقية. ولم يبق أمامه سوى التجييش والتعبئة وراء مبدأ "المظلومية".

7- البيجيدي وتأجيج الاحتقان:

البيجيدي يسعى إلى تأجيج الاحتقان بالمغرب وأن يجمع حوله كل الناقمين والحاقدين ومن لهم رغبة في تصفية حساب مع الدولة، أي أن قادة البيجيدي يحاولون جمع هؤلاء وراء "العدالة والتنمية"، كي لا تظهر أزمة تورط حامي الدين في القتل كأنها ملف قضائي، بل سياسي.

8- التوحيد والإصلاح.. حركة دعوية أم حركة تنافس أمنيستي؟!

حتى حركة التوحيد والإصلاح كشفت القناع الخادع للأصوليين واستهدافهم للمؤسسات لنسفها. فالحركة تشدد في لغتها الخشبية على أنها حركة دعوية، لكن ما أن يتورط أحد زعمائها حتى تخرج لتعلن المواقف المناصرة للظالم على المظلوم.

ولكن في ملف حامي الدين عرت حركة التوحيد عن عورتها وبؤسها، إذ أفتت في القانون الجنائي والوضعي، وداست على المساطر القضائية والقانونية محللة ومفسرة وكأنها "أمنيستي" وليس "حركة للوضوء والاقتداء بالسلف الصالح!!"، ضاربة عرض الحائط مضمون الآية الكريمة (...‏ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً‏..)!

ولا توجد قمة في الاستخفاف بمؤسسات الدولة وترهيبها من التصريح الذي أدلى به سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في تعليقه على قرار قاضي التحقيق في ملف حامي الدين بالقول «النازلة خطيرة جدا، لأنه ان ذهبت بلادنا في هذا الاتجاه، سنفتح الأبواب على جهنم، لأن كل الملفات التي لم تتقادم، ستصبح قابلة لتفتح من جديد، فهذا باب جهنم والسلام». وهذا تهديد خطير للدولة، إما السماح لحامي الدين بالإفلات من العقاب أو فتح باب جهنم على المغاربة.

(تفاصيل أوفى حول هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")