السبت 4 مايو 2024
سياسة

وصفة نجاح كوريا على مأدبة عشاء سفيرها بالرباط

وصفة نجاح كوريا على مأدبة عشاء سفيرها بالرباط مشهد من حفل العشاء وفي الإطار السفير الكوري بالرباط

هاجس واحد كان يتملكني منذ أن توصلت «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» بدعوة كريمة من سفير كوريا بالمغرب «سيون ديوك يان» (Seong Deok Yun) لحفل عشاء بمنزله بحي السويسي بالرباط يوم الأربعاء 28 نونبر 2018، ألا وهو: «ماهي الوصفة التي اعتمدتها كوريا الجنوبية لتتحول في رمشة عين من دولة متخلفة اقتصاديا إلى عملاق اقتصادي عالمي؟».

فإلى حدود بداية السبعينات من القرن 20 كان الناتج الفردي الداخلي للمواطن الكوري لا يتجاوز 60 دولارا (أي أقل من المغرب)، لكن اليوم نجد كوريا تباهي الأمم بكون مواطنها يتوفر على ناتج فردي داخلي يتجاوز 30 ألف دولار!

لما وصلت لمنزل السفير الكوري الكائن ببئر قاسم بحي السويسي، وجدت السيدة «كيونغاه لي» (Kyun Gah Lee) القنصل العام لكوريا بالمغرب، في البهو تستقبل الضيوف (وقد كنا سبعة صحافيين)، بادرتها بسؤال: «القنصل هو علبة أسرار مصالح الدولة بالخارج، بحكم منصبك كيف تفسرين قلة التبادل السياحي بين المغرب وكوريا؟».

بلباقة ديبلوماسية أجابت: «ولماذا لا نعكس السؤال بالقول: ما هو تطور منحنى توافد السياح الكوريين على المغرب؟».

لتجيب «Kyun Gah Lee» على الفور: «في ظرف أربعة أعوام تضاعف عدد الكوريين الوافدين على المغرب لاستكشافه، فبعد أن كان عدد السياح لا يتجاوز 20 ألف كوري سنة 2014، ها نحن سجلنا خلال 2017 زيارة 41 ألف شخص لبلادكم. وفي عام 2018 سنختم بزيارة 50 ألف سائح كوري للمغرب».

الأرقام فتحت شهيتي أكثر لأن ذلك ينهض كمؤشر على أن كوريا الجنوبية تعيش رخاء انعكس على مستوى عيش سكانها الذين بدأوا يطمحون للاستمتاع بجولات عبر العالم. وهو ما زكاه السفير Seong Deok Yun الذي تسلم مهام السفارة بالرباط في غشت 2018، لدرجة أن السفير توقع رخاء أكثر إذا نجح مسلسل نزع السلاح النووي بالمنطقة وجنحت كوريا الشمالية للسلام.

من هنا وجاهة السؤال: كيف لبلد مزقته حرب طويلة وتعرض ترابه للبتر وتكالبت عليه أطماع القوى العظمى خلال الحرب الباردة، ومع ذلك لم ينهض من الرماد فحسب، بل وأصبح يضرب لكوريا الجنوبية ألف حساب في العالم.

 

«الجواب بسيط - والكلام للسفير الكوري مجيبا عن سؤال «الوطن الآن»- ويتجلى في مدخلين رئيسيين: المدخل الأول بناء الإنسان الكوري وإعداده على مستوى التعليم إعدادا جيدا حتى إذا نضج يكون مؤهلا لإعطاء مردودية قصوى في أي قطاع اشتغل فيه الشاب الكوري.

والمدخل الثاني هو حرص كوريا على الاهتمام بالبحث وتطوير تكنولوجيا خاصة بها بدل أن تبقى رهينة المصنعين بالدول الأجنبية».

ولا يحتاج المرء إلى حجج للوقوف على ما قاله السفير، فهاهي كوريا تصنع تقريبا كل شيء: من الهواتف الذكية إلى المحركات الأكثر تعقيدا في البحرية، مرورا بالطاقة والقطارات والآلات المنزلية والسيارات وما شاكل ذلك، حيث لا يخلو منزل بالعالم تقريبا من وجود منتوج كوري. الفورة الاقتصادية والتجارية التي تعرفها كوريا الجنوبية جعلتها تحرص على تعزيز وجودها بالأسواق العالمية من جهة والبحث عن موطئ قدم لغزو أسواق أخرى، من أبرزها، السوق الإفريقي الذي يبقى سوقا بكرا تتنافس عليه القوى الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا وفرنسا (وتركيا والبرازيل مؤخرا). من هنا حرص سلطات كوريا على البحث عن بروفيل خاص لمن سيتولى سفارتها بالرباط، بالنظر إلى أن كل من يود الدخول لإفريقيا يمر من باب المغرب الذي أصبح منصة رئيسية (Hub) للولوج إلى إفريقيا. فوقع الاختيار على السفيرSeong Deok Yun ليمثل بلاده بالمغرب، لسبب بسيط يكمن في أن المسؤول المذكور له بروفيل اقتصادي محض. وحتى لما ألححنا عليه في السؤال ليبسط كناش تحملاته بالمغرب، كان سفير كوريا يقول: «أنا هنا لتقوية الجسور بين بلدي والمغرب وتعزيز مناخ الثقة للمستثمرين من كلا البلدين». وهو مناخ يراه السفير واعدا بدليل أنه يستشهد بأن شركة كورية ضخت مؤخرا في قطاع صنع قطع غيار السيارات العجلات، ما مجموعه 470 مليون دولار دفعة واحدة، وهو ما سمح بخلق 1300 منصب شغل بالمغرب.

 

وصفة النجاح التي قدمها السفير الكوري الجنوبي كانت وصفة تثير الفضول، لكنها وصفة إذا رغبنا تطبيقها في المغرب قد نحتاج إلى «استيراد» توابلها من مناخ الديمقراطية بكوريا الجنوبية، وإلى برلمانها «الشفاف»، وإلى رئيس حكومة لا يشبه سعد الدين العثماني «الأجوف»، وإلى أحزاب قوية تقود الحكومة قلبها على الشعب وليس على مصالحها الشخصية، وإلى معارضة «شرسة» تراقب وتنتقد أداء الحكومة.

 

قصة حب بين السفير »سيون ديوك يان» ومدينة شفشاون

 

السفير الكوري الجنوبي (Seong Deok Yun) الذي لم يمض على تعيينه بالسفارة الكورية بالرباط إلا ثلاثة أشهر، وقع أسيرا في «الحب»، وأصبح يعيش قصة غرام فريدة من نوعها مع مدينة شفشاون. صحيح زار بعض المدن المغربية في إطار مهامه الدبلوماسية، لكن شفشاون تمّكنت منه وسقط في هواها، باعتراف رسمي منه. ليست شفشاون وحدها التي أغرم بها ممثل الدبلوماسية الكورية، بل حتى الطبخ المغربي أصابه في مقتل.