رغم الزخم الإعلامي الكبير الذي رافق انطلاق كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، ورغم النجاح التنظيمي الذي ميّز المباراة الافتتاحية، إلا أن صورة المدرجات بعد إجراء ست مباريات كشفت عن مفارقة لافتة؛ حماس في الافتتاح، وشبه فراغ في باقي المواجهات.
فباستثناء اللقاء الافتتاحي الذي عرف حضوراً جماهيرياً مكثفاً عكس شغف المغاربة بكرة القدم، بدت مدرجات عدد من الملاعب في المباريات الموالية أقل امتلاءً، ما أعاد إلى الواجهة سؤال الحضور الجماهيري في البطولات القارية، وطرح تساؤلات حقيقية حول أسباب هذا العزوف، وحدود التسويق، وطبيعة العلاقة بين الجمهور المحلي وبقية مباريات البطولة.
ويشكل التسويق الرياضي، المرتكز على الهوية الثقافية للبلد المنظم، أحد المفاتيح الأساسية لإعادة الحياة إلى مدرجات كأس إفريقيا للأمم، خاصة حين يتعلق الأمر بالمغرب، الذي يتوفر على رصيد حضاري وثقافي قادر على تحويل البطولة من منافسة كروية إلى تظاهرة شعبية جامعة.
فنجاح كأس إفريقيا لا يقتصر على جودة الملاعب أو المستوى التقني للمباريات، بل يرتبط بمدى قدرة الجهة المنظمة على خلق علاقة وجدانية بين الجمهور المحلي والبطولة، وهنا يبرز دور التسويق الذكي، القائم على إبراز الهوية المغربية في مختلف تفاصيل الحدث، من الشعارات البصرية، إلى الموسيقى، والطقوس الجماهيرية، وصولاً إلى الأنشطة الموازية داخل وخارج الملاعب.
إن إدماج عناصر من الثقافة المغربية، مثل الفنون الشعبية، والأزياء التقليدية، والموروث الموسيقي، في محيط الملاعب وأثناء فترات ما قبل المباريات، من شأنه جذب العائلات والشباب، وتحفيز الجمهور على الحضور المبكر والبقاء حتى نهاية اللقاء، ما يمنح المدرجات حيوية ودفئاً جماهيرياً مميزاً.
كما يُعد إشراك الإعلام الوطني والمؤثرين الرقميين رهاناً حاسماً في الترويج للبطولة، فخلق محتوى رقمي يعكس أجواء المدن المستضيفة، ويُسلّط الضوء على المنتخبات المشاركة وقصص لاعبيها، يُسهم في توسيع قاعدة الاهتمام، وتحويل المباريات، حتى تلك التي لا يكون طرفها المنتخب المغربي، إلى مواعيد جماهيرية منتظرة.
ومن بين الآليات الفعالة أيضاً، ربط التذاكر بتجربة ثقافية وسياحية متكاملة، عبر عروض مشتركة تشمل النقل، والولوج إلى فضاءات ترفيهية، وتنظيم مهرجانات مصغرة بالقرب من الملاعب، بما يجعل حضور المباراة جزءاً من احتفال وطني ممتد، لا مجرد متابعة رياضية.
في المحصلة، فإن تسويق كأس إفريقيا بالمغرب انطلاقاً من الهوية الوطنية، وليس فقط من الجانب التنافسي، كفيل بإعادة الاعتبار للمدرجات كفضاء للفرح والتلاقي، فحين يشعر المشجع أن البطولة تعكس ثقافته وتمثله، يتحول حضوره إلى فعل انتماء، وتعود المدرجات لتكون القلب النابض للكرة الإفريقية.