السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

الحسين اليماني:هذه خمسة خيارات من أجل إنقاذ المصفاة المغربية للبترول سامير

الحسين اليماني:هذه خمسة خيارات من أجل إنقاذ المصفاة المغربية للبترول سامير الحسين اليماني

مما جاء في ملف الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، والذي تم توجيهه لكل السلطات والمسؤولين المعنيين، في نهاية شتنبر 2018، بغاية المساهمة في تعزيز متطلبات الأمن الطاقي الوطني وحماية مصالح البلاد والعباد:

يجمع المحللون والخبراء، بأن ظروف ومرامي تأسيس الشركة المغربية الإيطالية للتكرير في مطلع الستينات، وأهمية صناعات تكرير البترول للاقتصاد المغربي، ما زالت مبررة بالجدوى الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وبضرورة تعزيز وتطوير المكتسبات المحققة في هذا المجال وبوجوب المحافظة على مصفاة المحمدية وعلى كل التجهيزات والمنشئات والاستثمارات المرتبطة بالمباشر وغير المباشر ببناء وتوسيع المصفاة المغربية.

ولكون استمرار محطة المحمدية كوحدة صناعية لتكرير وتصفية النفط الخام، هو الخيار الأجدى لحماية كل المصالح والحقوق المرتبطة بالمصفاة، وهو المسعى الجوهري الذي يطمح إليه كذلك القضاء المغربي من خلال مقتضيات الكتاب الخامس لمدونة التجارة الرامية للإنقاذ من الإفلاس الشامل والبحث في تجميع الشروط المناسبة لبعث الروح من جديد في جسد المقاولة وانتشالها من مستنقع المديونية وصعوبات المقاولة.

ولأن هدف كل الغيورين والمكافحين من أجل بقاء واستمرار وتطوير هذه المعلمة الوطنية، يبقى قابلا للتحقيق والإنجاز، رغم كل الصعاب والمعوقات المطروحة، فإن تظافر الجهود وتعاون كل الجهات والسلطات المعنية، سيفضي لا محالة إلى انطلاق الإنتاج من جديد بمصفاة المحمدية، وفق خيارات متعددة تستمد قوتها من النصوص القانونية الجاري بها العمل ومن مشروعيتها في حماية المصلحة العامة للوطن وللمواطنين:

** الخيار الأول: التسيير الحر

إن كانت مصفاة المحمدية حتى اليوم، ما زالت تتوفر على المنشآت الفنية والمؤهلات البشرية القادرة على استئناف الإنتاج في أقرب الآجال الممكنة، بعد مباشرة الإصلاحات اللازمة والصيانة المطلوبة بسبب التوقف عن الإنتاج منذ غشت 2015 وبسبب موجبات الضوابط الفنية والقانونية التي تقتضي ذلك.

ولتفادي ضياع المزيد من الوقت، الذي يؤثر سلبا على المقومات المادية والبشرية للمقاولة ويزيد من الصعوبات في استصلاح الأضرار المترتبة عن التوقف المطول لآليات الإنتاج، فإن القانون التجاري المغربي يجيز للمحكمة، اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وسلك كل السبل الممكنة بغاية المحافظة على قيمة أصول الشركة وعدم تناقصها وتوفير كل الظروف المواتية لتحقيق التفويت القضائي في أحسن الشروط والحصول على أكبر مبلغ ممكن في بيع ممتلكات الشركة.

وفي انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات بقصد تفويت الأصول وتذليل الصعوبات التي تواجه ذلك، فإن التسيير الحر يبقى الخيار الأول والقابل للتنفيذ من الآن، ومن خلاله سيتم استصلاح المصفاة وتأهيلها وتشغيلها والمحافظة على الثروة البشرية التي تزخر بها، والتحضير لاحقا للتفويت القضائي للمصفاة وهي في حالة تشغيل وليس توقف.

ويمكن تحقيق خيار التسيير الحر من خلال:

1+الإذن باستمرار النشاط لمدة لا تقل عن 3 سنوات، يسمح فيها للسنديك بإبرام عقد للتسيير الحر، بهدف حماية الأصول من التناقص وضمان الصيانة الدورية لآليات الإنتاج وتوفير الاعتمادات اللازمة لمواجهة المصاريف واستغلال الوحدات الإنتاجية وتوفير الشروط الفضلى لإنجاح التفويت القضائي.

2+التعاقد مع شركة مختصة في المجال أو الاعتماد على الإمكانية الذاتية لشركة "سامير" وبتعاون مع الدائنين الكبار، من أجل المحافظة أولا وعاجلا على المقومات المادية والبشرية للمصفاة والعمل على استئناف الإنتاج في أقرب الآجال الممكنة، وذلك في إطار اتفاقية توضح الواجبات ومقابلها وخلال مدة لا تقل عن سنتين من الإنتاج الفعلي.

3+التحضير لإطلاق عروض دولية جديدة وبشروط ومضامين محددة مع فتح باب الاستعانة بالخبراء ومكاتب الدراسات، بغرض تفويت الأصول، والمصفاة في وضعية تشغيل وليس توقف، مع منح شروط تفضيلية والأسبقية للشركة المتعاقد معها في إطار التسيير الحر.

** الخيار الثاني: التفويت للأغيار

بتوفر الإرادة السياسية للدولة المغربية قصد التعامل الإيجابي مع ملف أزمة شركة سامير، والانتقال لموقع المساعد في الحلول وليس التفرج وإطلاق التصريحات المعرقلة والمحبطة للآمال والمعمقة للآلام المترتبة على توقف الإنتاج بمصفاة المحمدية، يمكن التوصل في كل لحظة لتحقيق التفويت القضائي لفائدة مقدمي العروض المهتمين حتى الآن باقتناء أصول شركة سامير.

ولأن ثمن الاقتناء لن يقل عن ثمن التقييم الذي يقارب 22 مليار درهم، ولأن حجم هذه الاستثمارات وطبيعتها، لا يمكن تبريرها إلا من خلال مدة لا تقل عن 15 سنة، فإن التفاوض حول شروط تنفيذ هذه الاستثمارات يتجاوز الحدود المرسومة في القانون التجاري المغربي ويتعداه ليصل لصلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية المخول لها، تحديد نوعية وطبيعة الضمانات والتشجيعات الممنوحة للاستثمارات في قطاع البترول بشكل عام وفي قطاع تكرير البترول بشكل خاص وأدق.

وبين غياب الصلاحيات الممنوحة للقضاء التجاري للجواب على التساؤلات المطروحة من طرف المتزايدين وبين تهرب الحكومة من مسؤولياتها الأساسية في تشجيع الاستثمار وإنقاذ فرص الشغل وتطوير الصناعة الوطنية، يبقى التفويت القضائي لشركة سامير مؤجل إلى حين التوصل بجواب الحكومة المغربية في الموضوع، وحتى عدم التوصل بجواب في أقرب الآجال، يمكن اعتباره رفضا للمساعدة في الحل واستجابة عملية للجهات المستفيدة من هذه الوضعية والحريصة على انتقال الاحتكار والتحكم في الأمن الطاقي للمغرب من قطاع التكرير إلى قطاع التوزيع، وتلكم هي الطامة الكبرى التي ستضرب مصالح البلاد وحقوق العباد.

وحيث أن ضياع المزيد من الوقت، لا يزيد سوى في إعدام ما تبقى من فرص النجاة والإنقاذ وسيجر على البلاد وابلا من الانتقادات والملاحظات في تدبير مثل هذه الأزمات التي أسقطت ضحايا في الداخل والخارج وسببت الخسائر في ممتلكات الأشخاص الذاتيين والمعنويين وفي المال العام والمال الخاص، فإن التعامل بمنطق الحكمة والدود على مصالح البلاد، يتطلب الجواب الاني على الضمانات المطلوبة من المهتمين بشراء مصفاة المحمدية ومساندة ومواكبة هذه الشركة المغربية حتى تستعيد عافيتها ودورتها الطبيعية للإنتاج وفق ما يخدم مصالح ملاكها الجدد مع التوافق والتناسب مع مصالح الدولة المغربية ولا سيما في توفير الطاقة النفطية بناء على الاحتياجات الكمية والنوعية والسعر المناسب للقدرة الشرائية للمواطنين وللفاعلين الاقتصاديين المعنيين.

** الخيار الثالث: تحويل الديون لرأسمال

إن كان الهدف المحوري من التصفية القضائية، هو غل يد المدين للحد من نزيف الاختلالات المالية والتدبيرية والبحث في توفير الشروط الفضلى لتفويت الشركة بغرض المحافظة على التشغيل وتغطية الديون المتراكمة على الشركة قبل فتح المسطرة.

ولأنه للدائنين مصلحة أكيدة في الحفاظ على قيمة أصول الشركة وعدم تناقصها بأي سبب من الأسباب، فإن القانون التجاري يجيز للدائنين وخصوصا الكبار منهم، البحث في الصيغة المناسبة لضمان حقوقهم واسترجاع كل أو جزء من ديونهم.

وحيث أن أغلبية الديون تتوزع بين إدارة الجمارك بالدرجة الأولى متبوعة بالشركات الدولية التي كانت تزود المصفاة بالمواد الأولية وتليها البنوك المغربية، فيمكن لكتلة الدائنين وخصوصا الأساسيين منهم، التفاوض مع باقي الدائنين بغرض تحويل الديون إلى رأسمال الشركة الجديدة لاقتناء أصول شركة سامير.

ورغم مبادرات سابقة لبعض الدائنين الدوليين في هذا الاتجاه، إلا أن هذه المبادرات ارتطمت بالموقف السلبي لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ووزارة المالية والاقتصاد التي رفضت التعاون في الموضوع وقوضت آمال الإنقاذ من خلال هذا الخيار القابل للتحقق والتنفيذ والضامن لحقوق ومصالح كل الأطراف المعنية.

وحينما ترفض وزارة المالية والاقتصاد، المساعدة والمساهمة في تحقيق خيار تحويل الديون لرأسمال، فإن السؤال يطرح بتلقائية وموضوعية، حول الخيارات الأخرى المطروحة من أجل استرجاع الدين العمومي الذي يقترب لوحده من 20 مليار درهم، وهل الأموال العمومية يمكن السماح بضياعها بكل سهولة رغم وجود خيارات لاسترجاعها.

ويمكن للدولة من خلال مديونية الجمارك والضرائب غير المباشرة المساهمة في رأسمال الشركة الجديدة، والبحث لاحقا في الشروط المواتية للانسحاب وتحقيق مكاسب مالية، حتى وإن كان موقف دعاة انسحاب الدولة من القطاعات الإنتاجية أقوى من موقف مناصري الدولة الوطنية الممتلكة لوسائل الإنتاج والمتحكمة في تصنيع ما تستهلكه شعوبها.

** الخيار الرابع: التفويت للشركة المختلطة

بعد المراجعة المتأنية للأسباب المتعددة والمترابطة في سقوط شركة سامير وتوقفها عن الإنتاج، سواء في تلك المتعلقة بمسؤولية الدولة المغربية في التقصير في ممارسة صلاحياتها الرقابية وتقديم العديد من التشجيعات والحماية بدون جدوى ولا مقابل، وسواء في تلك المتعلقة بالمسؤولية في التدبير والتسيير لإدارة الشركة ولا سيما في التحكم المطلق لإدارة شركة كورال في القرارات الكبرى بحكم امتلاكها للأغلبية المطلقة وبالثلثين في حصة الرأسمال.

ونظرا لما لنشاط الشركة من ارتباط وثيق وعلاقة مباشرة بالسوق الوطنية في التوزيع والاستهلاك والتخزين وبالسوق الدولية من تقلبات الأسعار في ثمن البرميل وقيمة عملات الصرف، فضلا عن وجوب التجاوب مع احتياجات البلاد من المشتقات النفطية.

وبغاية تجميع وتوفير المتطلبات الإقلاع الجديد للمصفاة على أسس الحكامة والشفافية في التسيير وعلى قواعد التشغيل والاستغلال ذي المردودية والإنتاجية العالية التي تناسب الوصول إلى المنتوج الوطني المنافس في الجودة والكميات والأسعار.

ولكون المصفاة المغربية للبترول، ما زالت تتوفر حتى الآن على مقومات النهوض واسترجاع نشاطها الصناعي، ولا تعوزها سوى بعض الإمكانيات المالية لمباشرة أشغال الصيانة واقتناء الحاجيات من المواد الأولى، فإن مصلحة الدولة المغربية مسؤولياتها في البحث عن منافذ الإنقاذ، تتطلب في الخيار الرابع، البحث في تأسيس الشركة المغربية لصناعات البترول Société Marocaine des Industries du Pétrole (SMIP)، وذلك من خلال:

1++ المشاركة في الرأسمال وفي مجلس الإدارة للأطراف التالية:

-شركة دولية في البترول والغاز

-الدولة المغربية

-موزعو المحروقات في المغرب

-الأبناك المغربية

-المستثمرون المؤسساتيين

-أجراء المصفاة المغربية للبترول

2++ الاقتناء من طرف هذه الشركة الجديدة لكل الأصول التي تمتلكها شركة سامير المطروحة للتصفية القضائية، وفق المقتضيات والمسطرة الجاري بها العمل.

3++ توقيع اتفاقية الاستثمار بين الدولة المغربية والشركة الجديدة من أجل تحديد واجبات وحقوق الطرفين والمرتكزة أساسا حول التعاون في توفير شروط الإنتاج الفضلى وتطوير سلسلة التحويل والتثمين مقابل خدمة مصالح البلاد في تأمين حاجياتها البترولية.

** الخيار الخامس: الاسترجاع والتأميم

بالرجوع لقراءة ومطالعة القانون المؤطر للخوصصة وتفويت الممتلكات العامة للخواص، والذي موضوع خطاب ملكي وتشريع للبرلمان المغربي، نفهم بأن القصد من هذه السياسة في مطلع التسعينات، هو انسحاب الدولة من المؤسسات الإنتاجية وبيعها للخواص بغرض تطويرها وتأهيلها لخلق مناصب الشغل وتوفير استثمارات جديدة لجلب العملة الصعبة وتأهيل الاقتصاد الوطني لمجابهة تحديات فتح الأسواق والتزامات الاتفاقيات الدولية للتجارة.

ومن أجل بلوغ هذه الغاية المركزية، لم يكن ثمن التفويت أساسيا في المفاوضات في حينه، بدليل أن بعض المؤسسات فوتت بدرهم رمزي، وحتى ثمن شركة سامير والشركة الشريفة للبترول مجتمعتين لم تتجاوز في حينه 4 مليار درهم.

ورغم كل التشجيعات والحماية التي وفرتها الدولة المغربية لشركة سامير على مدى 15 سنة، فقد كان الاجترار والتهرب من تنفيذ الالتزامات المصاحبة للخوصصة، هي لغة الجواب لشركة كورال على مطالبات الدولة المغربية، والنتيجة في الأخير هي التأخر في تأهيل الصناعة الوطنية للتكرير وفقدان الآلاف من مناصب الشغل وتوريط الشركة في ملايير الدراهم من المديونية وعدم تنفيذ أي التزام متعلق بجلب استثمارات جديدة، بل كل ما تم إنجازه وبعلله المتعددة، كان حساب مصالح المغرب والمغاربة.

وأمام النتائج الكارثية المترتبة عن الخوصصة والتنكر للالتزامات الأساسية في التأهيل والتشغيل والاستثمار، فإنه يتوجب على الدولة المغربية اللجوء لإعمال المقتضيات المتعلقة بهذه الإخلالات والعمل على استرجاع أصول شركة سامير واتخاذ كل ما يلزم من الإجراءات القانونية لتمديد مسطرة التصفية القضائية لكل المسؤولين والمغتنين بدون موجب حق على حساب شركة سامير.

ورغم المعارضة بلا هوادة لدعاة انسحاب الدولة من سلاسل الإنتاج وعدم الرجوع للوراء في مثل هذه القرارات، فإن ما يعرفه العالم اليوم من حروب تجارية طاحنة بين القوى العظمي، والتي تدور رحاها حول حماية الصناعة والإنتاج الوطني، يدعو الجميع للقراءة الموضوعية للتطورات الدولية والاقتناع والدفاع على أن الدول النامية كمثل المغرب، يتوجب أن يمتلك مفاتيح الصناعات الضامنة لإنتاج الطاقة والثروة الوطنية، ويتبين جليا بأن التفريط في صناعات تكرير البترول يتناقض طولا وعرضا مع المصالح الوطنية، وأن استئناف المصفاة المغربية للإنتاج أمر ضروري عبر كل الخيارات المطروحة، بما فيها الاسترجاع والتأميم من طرف الدولة المغربية.

ويبقى استرجاع الدولة لأصول الشركة وتأميمها خيارا من الخيارات المطروحة من أجل حماية مصالح المغرب وتفادي الوصول للطامة الكبرى، التي ستكون لها عواقب كبيرة على كل المستويات والأصعدة.

-الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز التابعة لـ"كدش"