الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

الشافعي: حديث على هامش تصريح الرئيس الموريتاني بعدم الترشح لولاية ثالثة

الشافعي: حديث على هامش تصريح الرئيس الموريتاني بعدم الترشح لولاية ثالثة محمد سالم الشافعي
قطع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الشك باليقين، حين قال إنه لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة، مضيفا أنه “يمكنه الترشح من بعد، لأن الدستور لا يمنع من ذلك”، وذلك خلال مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية، مؤكدا أن الدستور الموريتاني لا يمنحه إلا مأموريتين، مضيفا لإذاعة فرنسا الدولية أنه سيواصل التزامه اتجاه بلده موريتانيا، كما سيبقى في موريتانيا، ويمارس السياسة، وفي هذا الأمر إشارة قوية إلى أنه سيعود إلى حكم موريتانيا خلال السنوات القادمة أي في مطلع سنة  2025 على غرار النظام الروسي وهذا ما استشفه الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الموريتاني، حين قال: "لن أغادر بلدي، وسأواصل نفس المسار، وحينما يسمح لي الدستور بتقديم نفسي، فإنني سأفعل ذلك"
هذا الوعد الذي قطعه ولد عبد العزيز على نفسه يعد بالنسبة للعديد من المراقبين خطوة جديدة انفرد بها حكم عسكري جاء عن طريق الانقلاب، إلى حكم مدني رشيد تميز بعدة إصلاحات في بلاده موريتانيا، كما سيشهد له التاريخ على أن تخليه عن السلطة واحترامه للدستور الموريتاني، يعد سابقة لم تكن معهودة  في الانقلابات العسكرية التي كانت تشهدها القارة الإفريقية.
فبالرغم من الدعوات التي ترفع مطالبة الرئيس الموريتاني بالترشح لولاية ثالثة، وبالرغم كذلك ممن يدعون للحد من المأموريات، لذلك كان احترامه لدستور البلاد أمر يحسب لجنرال يشغل منصب رئيس أركان الحرس الرئاسي، جاء عن طريق انقلاب عسكري على رئيس مدني منتخب وهو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بتاريخ (6 غشت 2008)، هذا الانقلاب الذي جاء بعد ساعة و40 دقيقة من صدور قرار رئاسي بإقالته وثلاثة من العسكريين البارزين، وقد أسموا الانقلاب "الحركة التصحيحية". وأسسوا "المجلس الأعلى للدولة" برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز. وقد لاقى الانقلاب معارضة دولية وداخلية من بعض الأحزاب السياسية ولكن كفة التأييد للانقلاب رجحت في النهاية بعد مسيرات جابت عددا من أنحاء البلاد معلنة تأييدها للمجلس الأعلى للدولة. 
فكان الإنقلاب العسكري بمثابة منقذ لموريتانيا آنذاك حيث كان البلد يعيش أزمة إقتصادية وإجتماعية ثم سياسية، لكن أهم شيء كان وراء الإنقلاب هما عاملين أساسيين: الأول هو إقالة محمد ولد عبد العزيز رفقة ثلاثة من رفاقه، هذه الإقالة كانت نتيجة عدم قبول رئيس أركان الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز لسلوك زوجة الرئيس في القصر.
لكن رب ضارة نافعة كما يقال، أخذ ولد عبد العزيز زمام الأمور فأنزل بموريتانيا المستباحة إلى موريتانيا المحصنة دستوريا ثم قانونيا، ناهيك عن وضعها الاقتصادي والسياسي على جميع الأصعدة، وشهدت موريتانيا قفزة نوعية حيث تم تحقيق الكثير من المشاريع الاقتصادية وتحسين البنيات التحتية للبلاد والرفع من أجور موظفيها الذين لم ينعموا بهذا الوضع منذ الإستقلال في ظل  الانقلابات العسكرية في موريتانيا منذ عام 1978، عندما أنهى العسكر حكم ولد داداه، حيث  توالت الانقلابات 1979 و1980 و1984، ثم 2003 و2005، وكان وآخرها عام 2008.
وقد تميز النظام السياسي بموريتانيا منذ استقلال البلاد بسيطرة العسكر على الحكم، ما جعل عدم الاستقرار هو الطابع السائد حتى وإن طالت دورة النظام كما حدث مع نظام ولد الطايع الذي استمر حوالي عشرين عاما.
إذ بعد 18 عاما عاشتها نواكشوط في ظل حكومة مدنية يرأسها المختار ولد داداه عانت البلاد خلالها من حرب الصحراء واشتداد ضربات جبهة البوليساريو والشعور الذي ساد داخل أجنحة فاعلة في المؤسسة العسكرية، حيث قرر العقيد المصطفى ولد السالك بلورة انقلاب عسكري ، وكان صباح 10 يوليوز سنة 1978 هو نهاية حكم المختار ولد داداه وبداية حكم عسكري في البلاد.
وبالرغم من هذه الإنقلابات التي لعب فيها الوضع جيوسياسي دورا كبيرا جعل  فرنسا تراقب الوضع في مستعمرتها القديمة عن كثب، وتلاحظ بدقة طبيعة الصراعات داخل المؤسسة العسكرية، وتفكر جديا في أن يكون لها دور في ما يحدث.
ففي 12 ديسمبر 1984 حينما استطاع الرئيس الراحل "فرانسوا ميتران" وبعد إلحاح إقناع محمد خونا ولد هيدالة بمغادرة البلاد لحضور مؤتمر يجمع بعض زعماء أفريقيا وفرنسا في بوجمبورا عاصمة بوروندي، وما إن خرج ولد هيدالة من نواكشوط حتى قاد العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع انقلابا عسكريا استولى من خلاله على الحكم في العام 1984.
وبعد عقدين كاملين عادت موريتانيا إلى أجواء الانقلابات فشهدت محاولة فاشلة قام بها العقيد صالح ولد حننا في يونيو 2003، وبعد عامين وتحديدا في 3 غشت  2005 نجح  أعلي ولد محمد فال بدعم من المؤسسة العسكرية في انقلابه ضد نظام معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ثم سلم السلطة إلى رئيس منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في أبريل 2007.
- محمد سالم الشافعي، صحفي مهتم بالشأن الموريتاني وقضية الصحراء