الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس كلة: التحديث يقاس بمدى النفع و ليس بما سيربحه الباطرونا

يونس كلة: التحديث يقاس بمدى النفع  و ليس بما سيربحه الباطرونا يونس كلة
نحن في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة تاريخ الحضارة البشرية بعيدا عن المزايدات المذهبية أو الطائفية أو الإيديولوجية أو العرقية، حتى ندرك أن الراغب في التحديث يضع الإنسان في صلب اهتماماته، فلا تحديث بدون تحديث الفكر الإنساني، ولا حداثة بعيدا عن حداثة الإنسان، وبالإنسان ومن خلال الإنسان، وبناء عليه يصير كل مجهود في هذا المنحى يقبل على العمران غافلا ومتغافلا الإنسان مجرد طلاء سرعان ما سيخبو عند أول زلزلة اجتماعية عنيفة، إذ في ماذا سيفيدنا القطار الفائق السرعة؟ أو الميترو...؟ أو القمر الإصطناعي؟ ونحن ما نزال على مسافة بعيدة من الحداثة التي مكنت الإنسان الحداثي بحق وحقيقة من التفكير في سبل لإراحة الإنسان، وتقريب المسافات عليه، وتخفيف عبئ المجهود الذهني الذي يمكن أن يبدله في حساب المسافة التي تفصله عن أقرب أو أبعد نقطة من الفضاء إليه.
إنّه لشيء مخجل حقا أن نشاهد قطارا فائقا السرعة بموصفات ميكانيكية وتكنولوجية عالمية يمر وسط حي صفيحي أو حي من القصدير، ولتشعر في الوقت نفسه أنك مهزلة وأضحوكة من طرف الغرب الذي لا يهمه سوى الربح ولو كان على حساب الإنسان، لا، ليس الإنسان، لنحذف " ال " التعريف ولنكتفي ب " إنسان " ونعرفه بإنسان العالم الثالث الذي يتقاسم ربع الثروة العالمية، بل يتقاتل عليها. إن الصورة واضحة بالمشهد المذكور، فنحن أمام عالمين مختلفين تماما، عالم الثورة الرقمية والفردوس الأرضي، وعالم البؤس والشقاء والإستغلال الوحشي المفرط لمستضعفي الأرض، لا يصل هذا بذاك شيء اللهم إلا اشتراكهما العيش على وجه كوكب يقترب شيئا فشيئا من الهاوية الحتمية، حتمية الإنفجار الناجم عن الضغط.
ولم يحدث مرة أن وقع تقدم يشار له بالأصبع في أي رقعة من أرجاء المعمور سواء في شمال الكرة الأرضية أو في جنوبها، في غياب تام لهذا الذي أصبح مسكوت عنه في هذا الوطن الممتد من أقصى مدينة ابن بطوطة إلى حدود بلد المليون شاعر، ولم يعد يأخد نصيبه من المشاريع الضخمة التي تبلغ في أحيان كثيرة ملايين الدولارات، وكيف سيعود مشروع شبيه بمشروع القطار الفائق السرعة الذي أشرفت " لمامّا" فرنسا على إنجازه على الإنسان المغربي، الذي مازال يعاني الفقر والتهميش والتشرد، ولنقل كذلك أنه أصبح لاجئا في وطنه، شأن سكان دواوير عين السبع الذين يبتون الآن في العراء معرضين للبرد القارص وللأمطار يفترشون الأرض ويتسترون بقطع من البلاستيك، وبماذا سينفع سكان القرى الجبلية الذين يمتون جراء برد الثلوج في أعالي الجبال؟ وما الذي سيقدمه هذا المشروع كذلك للأعداد الكبيرة من حملة الشواهد المعطلين؟.
رهان التحديث يقاس بمدى النفع الذي يمكن أن يقدمه للإنسان لا بما سيربحه الباطرونا ورجال الأعمال واللوبيات الصغيرة والكبيرة، وكل رهان ينسى أو يتناسى الإنسان يظل محض شعار مزعوم يراد به تخدير الشعب والكذب عليه وجعله يعتقد في أحلام بعيدة كل البعد عن واقعه البئيس، وبالمقابل كلنا يرى الآن في سنغافورة والهند نموذجين لبلدين انتقلا من مجرد دولتين تابعتين اقتصاديا وثقافيا إلى بريطانيا إلى جمهوريتين يضرب بهما المثل في إمكانية القطع مع التبعية بكافة أشكالها لأنهما اهتما بما يجب الإهتمام به وهو الإنسان لأنه أس كل رهان تنموي يبغي الحداثة الحق، حداثة الفكر، لا حداثة الموضة والصورة، وأختم بالقول التالي: إن الحداثة لا تعني ولن تعني أبدا تقليد الغرب واتباعه، بل الحاثة حداثة القول والفعل والسلوك.