الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

خير الدين :تأهيل المدن العتيقة يعكس إرادة ملكية من أجل تحسين ظروف عيش ساكنتها، والمحافظة على تراثها العمراني المادي واللامادي

خير الدين :تأهيل المدن العتيقة يعكس إرادة ملكية من أجل تحسين ظروف عيش ساكنتها، والمحافظة على تراثها العمراني المادي واللامادي خير الدين يشرح إشراف الملك على المشاريع الحضرية المهيكلة
ترأس الملك محمد السادس، بمراكش، يوم الاثنين 22 أكتوبر 2018، حفل تقديم مجموعة من التدابير المتخذة لإنجاز المشاريع المندرجة في إطار برنامج تثمين المدينة العتيقة لمراكش من جهة، وكذا برامج تأهيل وتثمين عدد من المدن العتيقة الأخرى كسلا ومكناس وتطوان و الصويرة .
في سياق هذا الحدث، اتصلت "أنفاس بريس" بمصطفى خيرالدين، خريج جامعة مونتريال في التعمير بكندا، باحث في علوم المدينة، فأفادها بالورقة التالية :
تتوفر المنظومة الحضرية للمغرب على نسيج من 32 مدينة عتيقة ذات مميزات عمرانية ومعمارية قل نظيرها على مستوى المدن التاريخية في العالم، مما أهلها لتكون ذات قيمة كونية مصنفة كتراث إنساني لدى منظمة اليونسكو: فاس (1981)، مراكش (1985)، مكناس (1996) ، تطوان (1997)، الصويرة (2001) والرباط (2012).
وبالرجوع إلى التاريخ فإن منظومة المدن العتيقة بالمغرب لعبت ولازالت أدوارا ووظائف متعددة سواء على مستوى السكن، التجارة، والصناعة والترفيه والعلاقات الاجتماعية، مما جعلها بان تكون منذ قرون من الزمن "مدنا مستدامة، شاملة وضامنة" قبل أن تتبنى الأمم المتحدة سنة 2015 الأهداف 17 للتنمية المستدامة ومن بينها الهدف 11.
إلا أن عوامل عديدة يتداخل فيها ما هو طبيعي وإنساني جعلت من هذا النسيج عرضة لمجموعة من التحديات العمرانية والسوسيوـ اقتصادية، ويعتبر الضغط الديمغرافي الذي عرفه المغرب في العقود الأخيرة والتحولات الاجتماعية للمدن العتيقة إحدى أكبر المؤثرات السلبية على الإطار المبني، والنشاط الاقتصادي وتدهور التمدن ‘’ urbanité’’داخل هذا النسيج العمراني.
وبالرجوع إلى مقاربة السلطات الحكومية المكلفة بالتعمير لإشكالية المدن العتيقة يمكن الوقوف على ثلاث مراحل،
اقتصرت الأولى على تبني مفهوم المحافظة " préservation" على التراث المعماري للمدن العتيقة في إطار الجيل الأول لوثائق التعمير.
وأمام محدودية المقاربة الأولى تميزت المرحلة الثانية باعتماد أول جيل لتصاميم التهيئة والإنقاذ للمدن العتيقة ذات الصبغة الملزمة لجميع المتدخلين في النسيج العمراني التاريخي. وكانت هذه المرحلة مناسبة لتغطية مجموعة من المدن العتيقة -مراكش، الرباط، سلا، فاس، شفشاون، أبي الجعد، تطوان، مكناس، تازة...- بوثائق التعمير ذات توجهات عمرانية طموحة من أجل جعلها في قلب التنمية الحضرية والنشاط الاقتصادي، والسياحي والثقافي، إلا أنه في غياب الإرادة السياسية لدى بعض المنتخبين والإعتمادات المالية الكفيلة برد الاعتبار للمدن العتيقة لم تجد الاختيارات العمرانية الواردة في تصاميم التهيئة والإنقاذ طريقها إلى التنفيذ باستثناء بعض التدخلات القطاعية.
إن انخراط المغرب في مشاريع حضرية مهيكلة تحت إشراف أعلى سلطة في البلاد على مستوى المدن المتروبولتانية: "الرباط، مدينة الأنوار" "برنامج تنمية الدارالبيضاء"، "مراكش الحاضرة المتجددة"...، لتعتبر مناسبة من أجل تموقع أفضل للمدن العتيقة داخل المنظومة الحضرية وذلك تماشيا مع انخراط المغرب في الأهداف 17 للتنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة سنة 2015 والتي تهدف إلى محاربة الفقر والفوارق الإجتماعية والمجالية واعتماد نموذج حضري شامل ومستدام.
إن إعطاء الانطلاقة لبرنامج طموح يتوخى منه تثمين المدن العتيقة للرباط، مراكش، سلا، مكناس، تطوان، الصويرة والبرنامج التكميلي لتثمين المدينة العتيقة لفاس، والشطر الثالث من برنامج المباني الآيلة للسقوط لإعادة تأهيل المدينة القديمة للدار البيضاء بكلفة إجمالية تناهز 3ملايير و200 مليون درهم، ليعكس إرادة ملكية من أجل تحسين ظروف عيش ساكنتها، والمحافظة على تراثها العمراني المادي واللامادي، والنهوض بثروتها الثقافية الأصيلة.
وإذا كانت تجربة فاس من خلال آلية " وكالة إنقاذ ورد الاعتبار" يمكن المراهنة عليها نظرا لما راكمته من خبرة، فإن تفعيل مهام الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط المحدثة منذ 2016 لمن شأنه، إذا توفرت الإرادة السياسية والتنزيل السليم للمشاريع، إعطاء دفعة لرد الاعتبار للمدن العتيقة خصوصا التي يتكون نسيجها من مباني الآيلة للسقوط.
وفي انتظار ذلك فإن إنقاذ ورد الاعتبار للمدن العتيقة على مستوى التراب الوطني مرهون بمدى قدرة المنظومة المحلية على تملك "l’appropriation" المدن العتيقة والانخراط في حكامة تشاركية مع مختلف الفاعلين –ساكنة، تجار، مهنيين، ومجتمع مدني- لجعل المدن التاريخية في قلب المنظومة الاقتصادية والاجتماعية و الجاذبية السياحية على غرار باقي دول العالم التي تتوفر على مدن تاريخية.