الخميس 18 إبريل 2024
اقتصاد

الحبيب استاتي: سوء الحكامة في ترشيد الماء والكهرباء أثقل الكلفة الأمنية بالمغرب

الحبيب استاتي: سوء الحكامة في ترشيد الماء والكهرباء أثقل الكلفة الأمنية بالمغرب الحبيب استاتي زين الدين

اعتبر الحبيب استاتي زين الدين، باحث في العلوم السياسية (جامعة القاضي عياض، مراكش)، أن موجة الاحتجاجات تطال بشكل أكبر الدول الهشة، ويُتوقع أن تستمر، وتدوم، وتتصاعد وتيرتها، بسبب العوامل الموضوعية المسؤولة عنها، والمُسببة لنشوبها. مبرزا أن تفاقم مشكل الماء وانتشار العطش يزيد من مظاهر هذا الضعف، وسينتج لا محالة مشاكل أمنية قد تؤثرا سلبا على الاستقرار الذي ينعم به المغرب، خصوصا أن ندرة الماء لم تعد ترتبط فقط بالوسط القروي أو بالمناطق النائية، وإنما بأحياء في المدن الكبرى أصبحت بدورها تفتقد لهذه المادة الحيوية.

+ لاحظنا من خلال الجرد الذي قمنا به أن معظم الاحتجاجات التي تهم الماء والكهرباء تهم مدن الهامش، علما أن بعضها يوجد في أحواض مائية؟

- بداية، لن يكون من باب المجازفة القول إنه مضى ذلك الزمن الذي كان فيه الباحثون ينظرون إلى الحركات الاجتماعية والاحتجاجية على أنها ظواهر غير عادية، بحكم أن أشكالها تكاد تكون، في العديد من دول العالم، ومن ضمنها المغرب، بمثابة أساليب مهمة لتأكيد المصالح والدفاع عنها في السياسة المعاصرة. وإذا قبلنا بفكرة أن موجات الاحتجاجات تجتاح العالم بأكمله، يجدر الانتباه إلى أنها تطال بشكل أكبر الدول الهشة، ويُتوقع أن تستمر، وتدوم، وتتصاعد وتيرتها، بسبب العوامل الموضوعية المسؤولة عنها، والمُسببة لنشوبها. بصيغة أخرى، يستفاد من الجرد الذي قمتم به أنه بعـد مضي أكثر من ستة عقود على الاستقلال، عجزت نماذج التنمية المتَّبعة من قبل الحكومات المتعاقبة عن الاستجابة الجيدة والدائمة لحاجات السكـان المعـيشية الأساسية كما هو الشأن بالنسبة للماء والكهرباء. وهنا أعود إلى سؤالك وما يرتبط به من تحديات: تنامي الاحتجاجات في السنوات الأخيرة، وزيادة حدتها من جديد هذه السنة، سواء للتعبير عن ارتفاع أسعار الفواتير أو التنديد بالانقطاع المتكرر لهما، أو التنبيه إلى المخاطر المرتبطة بالنقص الحاصل في الماء الصالح للشرب في أماكن بعينها حيث أصبح الحصول على الماء مقرونا بالمعاناة والألم (حالة زاكورة على سبيل المثال لا الحصر). وإذا كان مستساغا إلى حد ما هذا النقص في الأماكن الجافة، يبدو من العبث الحديث عنه في مناطق تزخر بإمكانات مائية هائلة، وقرى الأطلس أنموذجا. في الحالتين معا، وبغض النظر عن الظروف المناخية والبنيات التحتية، سنجد لا محالة أن الحكامة بما هي ترشيد وعقلنة للموارد شبه غائبة. نعم، المغرب سجل مكتسبات لا تنكر في سياسته لتدبير قطاع الماء، وخصوصا في مجال تعبئة المياه السطحية بواسطة السدود الكبرى، وسقي أكثر من 1,5 مليون هكتار، والتزويد بالماء الصالح للشرب، المعمم في الوسط الحضري، والذي قارب نسبة عالية في المجال القروي، غير أن المخاطر التي تتهدد جودة واستمرارية الموارد المائية، بسبب الأنشطة البشرية، بلغت مستويات مقلقة (من استخراج مفرط ومعيب، من ضعف مراقبة الاستعمال في بعض المشاريع الصناعية أو الفلاحية....) وهي مستويات تنذر بمشاكل اجتماعية مع ما قد يترتب عنها في المستقبل القريب من انزلاقات أمنية.

+ هل يمكن أن تتطور هذه الاحتجاجات إلى إحباط من السياسة العمومية؟ وإلى أي يمكن القول إن هذا الإحباط يشكل عاملا مزعزعا للاستقرار؟

- الإحباط الذي تتحدث عنه، في السياق المغربي، قائم منذ سنوات، وناقوس الخطر يُدق منذ مدة طويلة.  ليس الأمر مبالغة، ويكفي الرجوع إلى الخطابات الملكية لهذه السنة لندرك أن أعلى سلطة في البلاد مدركة للوضع وواعية بتجلياته. وعلى مستوى هذا الإدراك، ألفت اهتمام القارئ الكريم لمسألة غاية في الأهمية: بقدر ما تتميز به الحركة الاحتجاجية من جاذبية بحكم أنها تجسد حيوية الفعل التواصلي والممارسة الديمقراطية، فإنها ترمز لمخاطر وتهديدات شتى. كيف ذلك؟ لنفكر قليلا في الأمر: لا يخفى على الطالب المسجل في السنة الأولى بكليات العلوم القانونية أن مصدر التهديد المباشر للديمقراطية هو الأنظمة التسلطية والاستبدادية، لكن تنامي المجتمع الجماهيري أو مجتمع الحركة الاحتجاجية بشكل ملحوظ يوجب الاعتراف بوجود تهديد آخر. معظم علماء الاجتماع يرون مصدر هذا الأخير ليس سلطة قوية جدا، تخضع المجتمع لرحمتها، بل المجتمع نفسه الذي لم يعد يرى في النظام السياسي سوى بيروقراطية تعسفية أو فسادا، فيتمنى أن يجعله مقتصرا على دور حارس ليلي، أو دولة أدنى. هل هذه سلبية؟ وهل الخطورة بهذه الدرجة؟ لنبحث عن الإجابة عند المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، وتحديدا باستقراء نتائج دراسته حول قياس مستوى التماسك الاجتماعي بالمغرب، ولنقف عند العبارات الآتية التي لا تحتاج إلى تأويل: التحولات التي شهدها المجتمع المغربي أدت إلى إضعاف العلاقات داخل الأسر، ومن ثمة، إضعاف الرابط الاجتماعي والعيش المشترك. فيما تتسم الثقة بالضعف، سواء بين الأشخاص أو تجاه المؤسسات. والأكيد أن تفاقم مشكل الماء وانتشار العطش يزيد من مظاهر هذا الضعف، وسينتج لا محالة مشاكل أمنية قد تؤثرا سلبا على الاستقرار الذي ينعم به المغرب، خصوصا أن ندرة الماء لم تعد ترتبط فقط بالوسط القروي أو بالمناطق النائية، وإنما بأحياء في المدن الكبرى أصبحت بدورها تفتقد لهذه المادة الحيوية. وهو ما يستوجب العمل الجاد والدائم والعاجل للتخفيف من حدة هذا المشكل في مختلف المناطق.