عبد الغني عارف تاريخيا ليست هناك وصفات جاهزة للتغيير الاجتماعي والسياسي: فقد حدثت تجارب تغييرية متباينة تمتد من البلانكية أو الانقلابية، وصولا إلى ما أصبح اليوم يسمى بالثورات الناعمة أو الثورات الهادئة. ولكن يبقى دائما المعيار الذي يحدد مصداقية أي عملية تغييرية هو مدى استجابتها فعليا لحاجات حقيقية في المجتمع المقصود بالتغيير. من هذا المنطلق، أعتبر أن للتغيير مداخل متعددة، ومن أهمها في السياق المغربي اليوم:
• مدخل الوعي : أي التأكيد على أن امتلاك القدرة على التغيير يتطلب، من جهة الوعي بضرورة التغيير، ومن جهة ثانية الثقة في الذات المرشحة لإحداث هذا التغيير، وهو ما يسمح بتحقيق جدلية إرادة التغيير والقدرة على تحقيقه، وهو أمر يتطلب فهم الواقع المراد تغييره، وذلك عبر امتلاك المعرفة المتحكمة في دينامية التغيير. فضلا عن الوعي بمعطيات التحولات العالمية: ظهور قيم المواطنة العالمية. ما موقعنا من هذه التحولات؟ كيف يمكن أن ندبر انعكاساتها على مجتمعنا؟ هل هي عوامل تساعدنا على تحقيق التغيير الذي نريد إحداثه داخل المجتمع، أم أنها عوامل معطلة وكابحة له؟
• مدخل الممارسة المستوعبة لشروط فعل التغيير ومتطلباته الفعلية، حتى لا تتحول فكرة التغيير إلى مجرد شعارات براقة من حيث المظهر، ولكنها لا تحدث أي أثر فعلي في الواقع.
• مدخل المواطنة: باعتبارها تدبيرا جماعيا للمجال المشترك وللعلاقات الاجتماعية من خلال التوازن الضروري بين الحق والواجب، وعلى أساس قاعدة وقيم المسؤولية والشفافية والمساءلة، مع ما يعنيه ذلك من ارتباط بحيثيات سياسية مباشرة تقوم على أساس إعادة النظر في توزيع السلط وتنظيمها داخل المجتمع وتوفير شروط المشاركة الجماعية والمسؤولة في اتخاذ القرار وبناء ديمقراطية حقيقية.
• مدخل التنوير: التغيير ممارسة ممتدة في الزمان ( كل عملية تغيير حقيقي تتطلب نفسا ) و ممتدة في الوجدان. ( ضرورة التسلح بقيم وتمثلات منسجمة مع ثقافة التغيير )، لذلك لابد من الاهتمام بالعمل الثقافي والفني والانتباه اليقظ والذكي لدور التربية والتثقيف. "
• مدخل التنظيم: أي أن كل المداخل السابقة لا يمكنها أن تكون قابلة للترجمة إلا بوجود أداة تنظيمية مؤهلة وقادة على التعامل مع الواقع عبر مستويين: مستوى التملك المعرفي للواقع ، ومستوى الفعل المباشر في الواقع.
ـ الأستاذ عبد الغني عارف،الفاعل المدني
