الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة :اللقاء الوطني للإصلاح بمراكش والانقلاب على المنهجية الديمقراطية التشاركية

محمد حمزة :اللقاء الوطني للإصلاح بمراكش والانقلاب على المنهجية الديمقراطية التشاركية
سيعقد يومي 02 و03 أكتوبر 2018 لقاء وطني تنظمه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي تحث شعار "الإجازة رهان للتأهيل الأكاديمي"، في ظرفية عصيبة سمتها تفاقم الأزمة الاجتماعية، وتخلي الدولة تدريجيا عن أدوارها الاجتماعية، وفي مقدمتها التراجع عن مجانية التعليم العمومي، عبر فرض ما أسمته بـــ"مساهمة الأسر في تمويل التكوين في التعليم العالي على المدى القريب، وفي التعليم الثانوي التأهيلي على المستوى المتوسط"، والسعي إلى خصخصة وتسليع التعليم العالي العموميين، وجلب مؤسسات أجنبية، واستنبات مؤسسات للتعليم العالي مؤدى عنها .
ومرة أخرى تنهج الوزارة الوصية ما سمته إصلاحا، وبشكل أحادي، لا يختلف عن الإصلاحات التقنية والتقنوية السابقة، ضاربة عرض الحائط بكل الالتزامات مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، التي كانت متضمنة في البلاغات المشتركة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي باعتبارها ممثلا لهيئة البحث والتدريس في التعليم العالي العمومي الوطني .
لقد التزمت، قبل هذا الانقلاب على المنهجية التشاركية، الوزارة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي بمواصلة العمل التشاركي وترصيد ما سبق التوصل إليه، إن على مستوى الإصلاح الشمولي لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي أو على مستوى الملف المطلبي للنقابة .
لقد وقع التزام بين النقابة الوطنية للتعليم العالي والوزارة الوصية بمراجعة القانون 00-01 المنظم للتعليم العالي وإرساء الإصلاح البيداغوجي في شموليته وفق رؤية تشاركية، وإعادة النظر في هيكلة البحث العلمي وبنياته المؤسساتية والقانونية والمالية، بما في ذلك مراكز الدكتوراه، بشكل يجعله قاطرة لتحقيق التنمية الشاملة لبلادنا ويشجع الابتكار العلمي، وبلورة نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين، يراعي المهام الجديدة المنوطة بالأستاذ الباحث، ويأخذ بعين الاعتبار الدور الفعال والموقع المتميز الذي يستحقه. كما عبرت الوزارة عن عزمها على تسوية مختلف الملفات التي تم التداول فيها بين الطرفين فيما سبق، ومنها: رفع الاستثناء على حملة الدكتوراه الفرنسية، والدرجة "د" في إطار أستاذ مؤهل وفي إطار أستاذ التعليم العالي، والدرجة الاستثنائية في إطار أستاذ التعليم العالي، والاستمرار في مناقشة النقاط الأخرى ( ملف المحاضرين والخدمة المدنية و...)
إن برمجة اللقاء الوطني من طرف الوزارة بدون تقييم جماعي وبشكل أحادي ومتسرع، قبل عرضه على الشعب والهياكل الجامعية المنتخبة وتهميش النقابة الوطنية للتعليم العالي، هو خروج عن المنهجية الديمقراطية والتشاركية، وفرض للأمر الواقع .وإن الصمت غير المفهوم للمكتب الوطني، هو أيضا، انقلاب عن الاستراتيجية الديمقراطية والتشاركية والنضالية للمكتب الوطني السابق، واللجنة الإدارية السابقة، وعن التجربة التاريخية للنقابة العالمة والمواطنة والديمقراطية والوطنية، وانقلاب أيضا على المواقف الثابتة للنقابة التي تربط المطالب العادلة للسيدات والسادة الأساتذة بالدفاع عن الجامعة العمومية المفتوحة لبنات وأبناء الشعب المغربي الراغبات والراغبين في تعليم جيد ومنتج وعصري ومجاني .
إن إصلاح التعليم اختبار وطني استراتيجي، لا يستقيم مع الرؤى التقنوقراطية مهما بلغت دقتها؛ إن هي لم تستجب لمحددات وطنية أساسية، وإن أي إصلاح لا يستحضر التعاقد الوطني المنتج، والتصور الوطني الحديث، المتمركز على الإنسان، وعلى سيادة العلم والمعرفة، واستحضار دمقرطة التعليم باعتباره شرطا أساسا، لإرساء نظام تربوي قادر على تأطير الموارد البشرية وتنميتها، لتفعل إيجابا من مواقع مختلفة في تطوير التنمية سيكون مصيره الفشل.
نحن الآن في حاجة لحكومة مواطنة ووزارة مؤمنة بالحوار المسؤول والمنتج، وفي مستوى التصدي للأخطار التي تهدد التجربة الجامعية المغربية، وهذا يتطلب سن سياسة وطنية تشاركية وديمقراطية، والابتعاد عن السياسات الصغيرة التي تهدف إلى تهميش السيدات والسادة الأساتذة ونقابتهم المناضلة والمواطنة وتهمش الجامعة العمومية، وتَبَنِي إصلاح شمولي يرتكز على ثلاث عناصر متضامنة : التوجه البيداغوجي ومركزية البحث العلمي ودمقرطة الهياكل .
إن عملية الإصلاح تتطلب تقييما قبليا للرصد والاقتراح تُوَفَّر له الموارد البشرية والمالية، وقوانين تنظيمية واضحة، عوض حالة الفوضى الحالية، وتحديد مسؤوليات الأطراف بوضوح، فالتقييم يتطلب رصدا جديا وموضوعيا لواقع حال مؤسسات التعليم العالي، من خلال الإجابة الأسئلة الآتية:
- ما مدى تأثير تهميش البحث العلمي على التكوين الجامعي ومردوديته ؟
- ما مدى تأثير ضعف التأطير الأكاديمي على مردودية التكوينات الجامعية المغربية ؟
- ما مدى تأثير ضعف البنيات التحتية وضعف المنح الجامعية وميزانية البحث...؟
نحن الآن في حاجة لإصلاح يبعث الأمل في إمكانية تجاوز تأخرنا التاريخي بواسطة المعرفة والبحث العلمي، ويبعث الأمل في جعل الجامعة قاطرة للتنمية ومدخلا لبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص، وينتج المعرفة والعلوم بجودة عالية، ومنفتح على التطورات الثقافية والعلمية، وبناء مجتمع رابطة القانون ومركزية المعرفة.
والإصلاح المنشود للمدرسة والجامعة العموميتين، لم يكن ولن يكون أبدا مجرد روتوشات وإجراءات شكلية، كما هو الحال الآن، بل نراه إصلاحا جذريا متسلحا بالحداثة والعقلنة قادرا على تأهيل تعليمنا وتحديثه ليكون سبيلا سالكا في اتجاه التقدم والديمقراطية الحقيقية، ولن يستقيم ذلك إلا بتنظيم حوار وطني واسع لأن المسألة التعليمية مسألة الجميع وليست مسألة قطاعية فحسب.
                                                                    - محمد حمزة ،أستاذ التعليم العالي