السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

حتى تتحول الدار البيضاء إلى روض من رياض الجنة!

حتى تتحول الدار البيضاء إلى روض من رياض الجنة!

من كان يظن أن ثمن المتر المربع لأرض عارية بشارع المسيرة الخضراء بالدار البيضاء سيتراوح بين 60 ألف و80 ألف درهم؟

من كان يتوهم، حتى في الحلم، أن ثمن الأصل التجاري بشوارع حي راسين أو عين الذئاب سيتضاعف 10 مرات في ظرف خمسة أعوام؟

من كان يستحضر أن لوبي مستوردي السيارات وبيعها بالمغرب سيجني أرباحا جد فاحشة بالدار البيضاء وهي أرباح لا يجنيها حتى مصنعو السيارات بكوريا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وأمريكا، مادامت الدار البيضاء يحقق فيها هذا اللوبي نصف المبيعات سنويا مقارنة مع ما يباع بالمغرب ككل؟

إن هذه «الهمزات» ما كان لها أن تتحقق بالدار البيضاء لولا الاستغلال الفاضح والفظيع لضرائب المواطنين، وهي الضرائب التي تحول لتهيئة شوارع بعينيها أو تحابي لوبيات معينة حتى يراكموا الثروات الفاحشة في رمشة عين..

ففي كل مدن العالم هناك معايير وقوانين تضبط العلاقة بين الجبايات والاستثمارات العمومية المحلية مع وضع الكوابح لكي تبقى فوائض الاستثمار وعائدات الأرباح في المدينة المعنية. باستثناء الدار البيضاء التي تشذو عن هذه القاعدة العالمية بشكل يفاقم من عذابات السكان ويضعف من جودة العيش

بها.

إليكم هذه الأمثلة: شارع المسيرة، شارع أنفا، شارع الزرقطوني، أو الكورنيش أو عبد اللطيف بنقدور وغير ذلك من أزقة حي راسين تنفق عليهم بلدية البيضاء الملايير للتهيئة والتوسيع والإنارة الجيدة والأغراس بشكل يؤدي أوتوماتيكيا إلى رفع القيمة المالية للعقارات المحاذية أو الموجودة بمحيط الشوارع المهيأة. ولما تقع البيوعات تتدخل الدولة -في شخص وزارة المالية- وتقوم بقرصنة ضريبة الأرباح عن هذه العقارات بدون أن تكون للدولة أو لوزارتها في المالية أية مساهمة في كلفة التهيئة فتحرم المدينة من عائد مهم لا يسمح بتحويله للإنفاق على جهة أخرى محتاجة (درب السلطان أو ليساسفة أو حي مبروكة أو سباتة، إلخ..). والنتيجة هي أن سكان الأحياء الشعبية يصبحون مثل مضخة للضرائب لتزيين وتحسين التهيئة بشوارع الملاكين الكبار للمحلات التجارية، وللشركات المالكة للعقارات المتعددة بوسط المدينة.

نفس الشيء في قطاع السيارات، إذ أن الحظيرة بلغت بالدار البيضاء مليون و400 ألف سيارة، وكل سيارة تسدد ضريبة «الفينيات» سنويا. وهي ضريبة معمول بها في الدول المتحضرة ليبقى عائدها بكل مدينة لإصلاح الطرق وتهيئة القناطر والأنفاق وإحداث الإشارات المرورية وصيانتها وتثبيت الكاميرات

لتنظيم السير وتخصيص جزء منها لإنفاقه على وسائل النقل العام (حافلات، ميترو، ترام...) وإحداث المرائب الأرضية (باطنية أو عمودية...) لضمان انسياب المرور، باستثناء الدار البيضاء التي -ويا للأسف- تقوم الدولة مرة أخرى في شخص وزارة المالية، بنهب ضرائب «الفينيات» لضخها في خزينة الدولة بسبب عجز الحكومات المتعاقبة على المغرب (منذ الاستقلال إلى اليوم) على ابتكار صيغ أخرى لتوسيع الوعاء الضريبي وخلق الثروة لجني العائد الضريبي، فـ «تهرف» على «الحائط القصير»، ألا وهو المواطن الذي يسدد الضرائب دون أن تسخر تلك الضرائب لخدمة مصالحه اليومية بمدينته وتحسين جودة العيش بالحي الذي يسكن فيه، علما أن الدار البيضاء تساهم لوحدها في حدود 200 مليار سنتيم سنويا من منتوج «فينيات» السيارات، وهو مبلغ لو خصص للغرض الذي أحدثت بسببه الضريبة لتحولت شوارع الدار البيضاء إلى «زبدة» ولتحول التنقل فيها إلى نزهة في "روض من رياض الجنة"!

لكن أنى لذلك أن يتحقق والساقطون والفاشلون هم الذين يمسكون بالقرار المحلي والجهوي والبرلماني والحكومي.