الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: حتى لا يقع التأويل المخزني مرة أخرى لخطاب العرش!

محمد المرابط: حتى لا يقع التأويل المخزني مرة أخرى لخطاب العرش! محمد المرابط
لبسط أوجه النظر في هذا العنوان، تحصيلا لمقاصد الأمور، ينبغي التذكير، بالاحتراز المنهجي الذي سبق أن أبداه صاحب الأمر، وهو يدعو إلى "التأويل الديموقراطي" لدستور 2011.ولعل هذا الاحتراز - وهو يستبطن من جهة طبيعة التسويات حول الوثيقة الدستورية،و يستشرف من جهة أخرى طبيعة الهندسة السياسية التي ستنبثق عنها - كان ضروريا لطمأنة الجميع من جموح الهوى الإديولوجي المرتقب، ل"الحكومة الملتحية" للأستاذ بنكيران.
بهذا المدخل في "التأويل" سأقف على خطابي العرش لهذه السنة وما قبلها،بغاية دفع الأمور في الاتجاه السليم،فيما تبقى من المتاح زمانا في ملف الحراك.
1-كما يعلم الجميع أن الملك بالرغم من كل محاولات استدراجه، لم يقحم شخصه في حراك الريف كما أقحمه المرحوم الحسن الثاني في أحداث 1984.بل أكثر من هذا أضفى خطاب العرش ،السنة الماضية ،المشروعية على الحراك،وأنصف معتقليه.لكن التأويل المخزني ترك هذه المداخل الإيجابية لاحتواء الوضع،ليستند على انتقاد الخطاب للعدميين،والتنويه بالأمن،فانزلق المسار القضائي إلى سؤال :"هل أنت مغربي"،والحديث عن "جينات التمرد"،بما يعني السقوط في نظرية سيزار لومبروزو  Cézar Lombroso العقابية،فكان أن تم تكييف التهم من خارج مداخلها،وانتصر القضاء في النهاية للنيابة العامة.كما حصلت محاولة "تجريم" حتى أحاسيس الناس حول الأحكام على المعتقلين،في محاولة للتعالي بالأحكام عن النقاش العمومي،في وقت ما زال النقاش حول "استقلالية" القضاء مطروحا .
مقاربة كسر العظم هاته بمستوياتها الأمنية والقضائية،تعيدنا إلى قراءة السياق حول العدمية والتنويه بالأمن في خطاب عرش السنة الماضية.إذ أن خطاب العرش بحديثه عن "بعض العدميين" كان يستحضر انفصاليي وجمهوريي الحراك بأوروبا وهم يهيئون لمسيرة برشلونة المناهضة لاحتفالات عيد العرش،وهي المسيرة التي رفضها المعتقلون وعائلاتهم،وبالتالي لا معنى لاسقاط ذلك على المعتقلين من خلال "واش انت مغربي"،والاتهام بحمل "جينات التمرد".لكن مع الأسف أن المخزن زكى تأويل جانب من أصحاب الحراك بأوروبا للعدميين،بأن تم وضع هذا المصطلح رغم نخبويته،في مستوى وصف "الأوباش"الذي نعت به الملك الراحل أهل الشمال  في أحداث1984.
اما تنويه الملك ب"رجال الأمن" ،فلم يكن تنويها برجال السيد الحموشي،كما أشاع الجمهوريون،فنافحوا بالمقابل عن الدرك،مما يفتح ملف الحراك على قراءة أخرى.بل إن تنويه الملك بالأمن ،جاء في سياق الحديث عن استقالة الأحزاب عن وظيفتها التأطيرية للمواطنين حيث جعل "هذا الفراغ"، "القوات العمومية"،من درك وأمن وطني وقوات مساعدة،"وجها لوجه أمام الساكنة" للحفاظ  على "الأمن الاستقرار".ولا يعني أن هذا التنويه المجمل لخلاصة الوضع القائم، يجعل التجاوزات الأمنية،وهي حاصلة في إمكان الواقع،محل أية حماية قانونية.لكن العقلية المخزنية أولت هذا التنويه العام في اتجاه تزكية التفاصيل الأمنية،بما لها وما عليها،فتبنى القضاء محاضر الضابطة القضائية كما هي.فكان ما كان،مما هو معروف من أحكام قاسية.
2-سبق أن تمنيت لو أن النيابة العامة في محطة اسئناف الأحكام تجيد التقاط إشارة زيارة الملك للحسيمة وما سيتلوها.وبالفعل مارس الملك جانبا من مسؤولياته الإدارية انطلاقا من الحسيمة.كما ألقى خطاب العرش لهذه السنة من هناك،مما يفيد انتفاء حالة الدواعي الأمنية التي كرست حالة الاستثناء في الحسيمة. لكن ما شوش على عنفوان إشارات هذه الزيارة هو توالي صدور الأحكام على النشطاء بالتزامن معها بدءا وختاما.
وبالرغم من أهمية خطاب العرش في جوانبه التنموية،حتى وهو يجانب المنطق السياسي للتعاقدات الوطنية،الذي ربما يقع التركيز عليه في خطاب ثورة الملك والشعب،فإني خشيت على هذا الخطاب،من التأويل المخزني لمسألة "الوحدة" و"الوطنية الحقة"،و"دعاة السلبية والعدمية وبائعي الأوهام"،الواردة فيه،فيقع تشديد الأحكام في مرحلة الاسئناف.وكانت أول ترجمة لهذا التأويل هو الأحكام على محتجي الأحكام.في حين أن سياق الخطاب لا ينفصل مرة أخرى،عن مسيرة الجمهوريين ببرشلونة،مناهضة لاحتفالات عيد العرش.
ورغم مشاعر الإحباط المصاحبة لهذا التخوف،ولهذه التسخينات في حق محتجي الأحكام،في انتظار "الفجر الصادق" في محطة الاستئناف،فإن مفاعيل زيارة الحسيمة،وصيرورة أفق المبادرات المدنية،والطبعة الثانية المرتقبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان،برهان إعلاء سلم الوساطة المؤسساتية بين المجتمع والدولة،وانفتاح القضاء على النقاش العمومي في ملف الحراك،ووعي المعتقلين وعائلاتهم بأهمية المقاربة النسقية لهذا الملف،كل هذا يغذي الأمل في انتصار المغاربة بمختلف مؤسساتهم لنبضهم الحقيقي.
ولا شك أن معاودة زيارة صاحب الأمر للحسيمة،ستفتح نوافذ جديدة لاستكمال جوانب النقص في الزيارة الأولى على المستوى الإنساني،مما سيمثل تغذية راجعة ل"رسائل" الأستاذ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي،وللا عائشة الخطابي.وهذا يتطلب التغلب بالمرة على مستويات أخرى من "الدواعي" الأمنية.