Sunday 6 July 2025
سياسة

مذكرات سجين موريتاني: وأخيرا عثرنا على مكتب البوليساريو (8)

مذكرات سجين موريتاني: وأخيرا عثرنا على مكتب البوليساريو (8)

في هذه الحلقة الثامنة من مذكراته، يستمر محمد فال القاضي اگاه، سجين موريتاني سابق بسجون البوليساريو، ورئيس منظمة ذاكرة وعدالة، في استرجاع الطريق التي أوصلته نحو مخيمات تندوف بالأراضي الجزائرية سنة 1979.. والتي عنونها برحلة الجنوب نحو الشمال.

"في الصباح الباكر أيقظنا ذلك السيد، وطلب منا أن نلتحق به في الدكان، فوجدناه قد هيأ الشاي وشرائح لحم مشوية وشراب بارد، وبعد أن أكملنا فطورنا، اصطحبنا إلى الشارع، وبقي معنا حتى ركبنا، وتحدث مع السائق كي يوصلنا مقصدنا، ثم ودعنا متمنيا لنا السلامة دون أن يبوح لنا بشيء سوى أنه من سكان مدينة (كرو) في الوسط الموريتاني.

لم تكن المسافة الفاصلة بين مدينة (بولا) والعاصمة (بيساو) تبلغ أكثر من ستين كيلومترا والطريق كان معبدا، لذلك وصلنا مبكرا، لذلك وصلنا مبكرا فطلبنا من السائق أن ينزلنا في السوق لعلنا نجد أحدا يمكننا التواصل معه ويدلنا على مكان وجود مكتب "البوليساريو"، لكن كل الذين التقيناهم يبدو أن لا علم لهم بوجود أي شيء سوى ما هم فيه من بيع وشراء، فقررنا أن نبحث عن السفارة الليبية لعلمنا أن ليبيا يومها تعد من أهم الداعمين للبوليساريو، وربما لأن بعضنا يعتنق "النظرية العالمية الثالثة" وليبيا بالنسبة له مفتاح الفرج لكل التائهين.

في الطريق، وأعيننا في الأعلى بحثا عن راية خضراء، قابلتنا بوابة معسكر يحرسها جندي، فارتأى أحدنا أن ذلك الجندي هو من سيدلنا على الطريق، وليت الذي ارتأى منا الرأي ما ارتأى، فحين سألناه أشار لنا بأن ننتظر، ثم سد البوابة ودخل، وكنا نعتقد أنه ذهب ليحضر من سيرافقنا، لكنه لم يعد حتى كانت سيارة "لاندروفير" تقف أمامنا وينزل منها جنود ويأمروننا بالصعود، ومع أن الأمر جاء مفاجئا وصادما إلا أننا لم نرتبك وصعدنا بهدوء ثم صعد الجنود معنا بأسلحتهم ثم انطلقت السيارة، وبعد عدة دورات دخلوا بنا من باب خلفي لمخفر للشرطة وأمرونا بالنزول ثم ساقونا إلى الداخل لنجد في استقبالنا من بدا أنه آمر المخفر وكان لحسن الحظ يتكلم الفرنسية، وحين بدأ محدثنا (أمان ولد الخالص) يروي له قصتنا وقبل أن يوضح له أي شيء رن هاتف مكتبه فرد على المتصل وخرج مسرعا بعد أن أمر شرطيا بحراستنا وأن يسد الباب.

مرت عدة ساعات ونحن في وضع لا أعتقد أن أحدا يحسدنا عليه، نحن في مخفر للشرطة وشرطي يقف فوق رؤوسنا ولا نعرف سبب إيقافنا، آمر المخفر ذهب ولم يعد، الشرطي الذي يحرسنا رفض السماح لأي منا بالخروج من أجل شراء السجائر التي نفذت منا، ويومها كان ثلاثة منا من كبار آكليها حتى لا أقول من مدخنيها وذلك موقف لا يقدره إلا المدخنون.. وأمام هذا الوضع القاتم لم تبق فكرة سوداء يمكن أن تخطر على البال إلا وفكرت فيها، غير أنه من حسن الطالع أن صوت ذلك الآمر قطع حبل أفكاري السوداء وهو يدخل علينا معتذرا عن التعطل كل هذا الوقت بسبب ما قال إنه استدعاء للإشراف على حادث مرور وقع بالتزامن مع دخولنا عليه.

بدأ الاستماع إلينا من جديد وبعد أن شرحنا له سبب وجودنا رفع سماعة الهاتف وأجرى مكالمة، بعدها بدقائق قليلة كانت سيارة تابعة لمكتب البوليساريو تقف أمام الباب ونزل منها شخصان، أحدهما ولد ابنيجارة وهو مسؤول المكتب، بينما لم يكن الشخص الثاني سوى (فريد) أو أحمد سلامه ابريك الذي فر بالسيارة من الحدود وتركنا نواجه المشاق مدعيا أننا تأخرنا واعتقد أنه قبض علينا، ولم نكن يومها نعرف أنه سيأتي اليوم الذي ستدمي فيه سوطه أجسادنا دونما شفقة ودونما ذنب اقترفناه".

(يتبع)