الأحد 24 نوفمبر 2024
جالية

مصطفى المانوزي: "ها علاش الهجرة فيها وفيها..!

مصطفى المانوزي: "ها علاش الهجرة فيها وفيها..!

يحتفلون باليوم العالمي للهجرة، من حقهم ذلك، يتذكرون مهاجرينا الذين اختاروا المنفى ملاذا للفرار من قبضة البوليس و ملاحقات ومضايقات القمع والإرهاب، هذا من الواجب، وما بين الاحتفاء والتذكر يرابط مطلب الاعتراف والاعتبار، فليست كل هجرة هروبا من الواقع المرير، بل هي اختيار اضطراري مؤسس على «اللهم قطران بلادي ولا عسل بلادات الناس»، لضمان الحق في العيش، وليس بالضرورة أن يكون كريما.

فهناك تنازلات مرافقة لهذا الاختيار الإجباري، أوله الحرية وآخره الانتماء، وما بينهما يرتع الخوف والتوجس، الذين ينتقلان في شكل فوبيا إلى الأهل في الموطن الأصلي، ولا يتخلصون منه إلا بعد العودة إلى الوطن، بعد عفو دولتي أو موت أو مرض سريري أو اختطاف، سيظل معه «الخارج» عقدة تؤرق العقل الأمني والعقل الاقتصادي والبيئة الحقوقية، فخلال المسار ضاعت بوصلات وأديت الأثمان بالتضحيات، عاد بعض المنفيين أحياء وآخرون عبر صناديق الموت أو السيارات الدبلوماسية مهربين عبر الحدود والأجواء، ورغم خطابات إعلان النوايا، ستظل المصالحة مسلسلا مفتوحا يخضع للمد والجسر حسب إرادة الدول والحكومات، وقلبه النابض هو الحقيقة، حقيقة ما جرى، نسبيا طبعا ، فذوو الحقوق يملكون نصفها والجلادون المفترضون يملكون النصف الآخر، والتاريخ يملك الحقيقة كاملة.

الحقيقة القضائية التي تدين كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أما جبر الضرر فلا يمكن اختزاله في المقاربة التعويضية، التي لها زبنائها القابلين بها بصفة فردية، ولكن لن ترقى إلى رد الاعتبار والمصالحة، مادامت ضمانات عدم تكرار فظائع الماضي الأسود لم تتبلور تشريعا وإجراءات، فكم من موظف، من قدماء « الوداديات » بالخارج تحول إلى مهاجر، وبنفس القدر من مهاجر تحول إلى منفي سياسي وكم من هارب من الوطن أو العدالة تحول إلى لاجئ سياسي، يتنافس مع غيره حول حسن السيرة وبطاقة «حقوقي» يبتزون بها الوطن ويبنون الجسور هنا وهناك.

فوداعا زمن كنا نصلي فيه على ايقاع ساعة بيغ بن ومنارة إيفل اللذين بناهما المهاجرون بعرقهم وحديد أوطانهم المغتصبة، فلنهاجر جميعا إلى عمق وطننا حيث يتشكل المستقبل في زمننا الحقوقي المتعثر، على امتداد مواقع الضمير، معاقل ازدياد المقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين حولت قوانين الهجرة والعنصرية أحفادهم إلى مجرد عاطلين، عالة على البلدان وفي أحسن الأحوال إلى مشاريع إرهابيين، مشتبه فيهم إلى أن تثبت صناديق الاقتراع العكس.

وبذلك فينبغي أن تمتد إليهم العناية والوقاية والحماية والمواطنة قبل أن يحتكروا ككتلة ناخبة مفيدة لترجيح الكفات أو مشجبا تعلق فيه نكبات فشل المخططات المالية والسياسات الاقتصادية، فيستعملون حبرا لتبرير الأزمات أو حربا على قيم التنوير وتعدد الثقافات باسم تنازع الحضارات، وها هو سيف مناهضة الإرهاب يستل في وجه المهاجرين مقرونا بالعنصرية والوصم بسبب الاعتقاد والتدين، في تماه مقصود بين الحق في المقاومة وواجب الاذعان لأعراف الخنوع والخضوع لأسطورة "الاستعمار الإيجابي"!.