الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

مسؤولية الوزير بوسعيد في فساد التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية

مسؤولية الوزير بوسعيد في فساد التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية محمد بوسعيد. وصورة لأاحد مقرات التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية

تعددت القراءات في حدث إعفاء وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، الذي جاء في البلاغ الرسمي أن الإعفاء تم إعمالا لـ"مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وذهبت تحاليل اهتمت بالموضوع مناحي شتى، وغابت مقاربات أخرى، وملفات طال العبث بها لسنوات يتحمل الوزير بوسعيد مسؤوليتها بشكل مباشر وشمولي. وأحد أفظع هذه الملفات، وأكثرها وطأة على العديد من المواطنات والمواطنين، في علاقة بالحق في الصحة، وعدم إعمال الرقابة المقررة قانونا من خلال نصوص قديمة والرقابة المالية الموكولة لوزارة المالية بمفردها أو بشراكة مع وزارة التشغيل على التعاضديات.

ويتعلق الأمر أساسا بقطاع التعاضد، الذي فاحت روائح فساده أساسا من خلال بعض التعاضديات، ولاسيما التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية منذ سنوات، والتي أصبح فسادها مادة دسمة للصحافة الوطنية (لاسيما المنابر الورقية والإلكترونية التي لم تبع نفسها مقابل دراهم معدودة) ولبلاغات هيئات حماية المال العام ومحاربة الفساد في التعاضديات، وتنوعت قضاياها المطروحة أمام المحاكم على اختلاف درجات التقاضي.

ويتحمل محمد بوسعيد، كوزير للمالية، مسؤولية أساسية وحاسمة في استمرارية الفساد في التعاضدية العامة، ونزيف أموال منخرطيها التي فاقت ملايير السنتيمات، والتي يتم  تبذيرها يمينا وشِمالا دون حسيب أو رقيب رغم ما منحه المشرع من رقابة قانونية ومالية لوزارة المالية نصيب الأسد فيها (آخرها الجمع العام المعقود بمراكش الذي كلف الملايين من أموال المنخرطين). فقد أناط المشرع المغربي، منذ صدور قانون التعاضد سنة 1963، والشروع في تطبيق نظام التأمين الإجباري عن المرض ( AMO) سنة 2005، بكل من وزارتي المالية والتشغيل، باعتبارهما سلطتي وصاية حكومية على كافة التعاضديات، آليات رقابية قانونية ومالية متعددة،  لمراقبة التدبير الإداري والمالي للتعاضدية والمصادقة عل قوانينها والحرص على المحافظة على التوازن المالي لهذه الجمعية، بالإضافة الى الصلاحيات التي خولها نفس الظهير (الفصلين 15 و 16) و الفصول من 19 الى 24 لوزارة المالية. غير أن الوزارة في عهد بوسعيد تنصلت من مسؤولياتها، بل ظلت تصمت على استشراء الفساد في هذه التعاضدية وتتجاهل التنبيهات والمراسلات الموجهة إليها سواء من لدن التنسيقية النقابية والحقوقية، أو جمعيات حماية المال الأم، أو من أعضاء نزهاء من داخل أجهزة القرار رغم قلتهم. كما تصمت الحكومة منذ سنوات على خروقات التعاضدية العامة حيث تجاهلت رئاسة الحكومة العديد من المراسلات. وبالتالي امتنع وزير المالية عن إجراء افتحاص  دقيق على مجمل الصفقات التي أبرمت من طرف التعاضدية العامة وعن تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة، رغم وجود رسائل حاسمة لوزير سبقه في تدبير وزارة المالية.

كما أن من مظاهر تواطؤ مصالح وزارة المالية، على عهد محمد بوسعيد، صمتها المطبق إزاء نتائج المهمة التي قامت بها المفتشية العامة للمالية IGF وأصدرتها في تقريرها المؤرخ في مارس 2013 عن الفترة الممتدة من 2009 إلى 2012  في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، حيث لم تحرك وزارة المالية آليات المساءلة عن الخروقات المرتكبة والواردة بوضوح في تقرير المفتشية العامة، يضاف إلى ذلك عدم إجراء افتحاص للسنوات التالية منذ 2013 إلى اليوم، حيث ارتفعت وثيرة الخروقات والتجاوزات، مما أضحى يهدد التوازنات المالية للتعاضدية وبالتالي مصالح المنخرطين من المرضى والمسنين والأرامل والمعاقين وذوي حقوقهم.

وعليه يتحمل محمد بوسعيد المسؤولية للأسباب التالية:

  • عدم إعمال خلاصات وتوصيات تقرير المفتشية العامة للمالية IGF المنجز سنة 2013 بخصوص التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية....
  • تجاهل الرسائل والتقارير المرفوعة إليه من لدن عدة هيئات في موضوع فساد التعاضدية العامة؛
  • عدم تفاعل مصالحه إيجابيا مع مراسلات وزارة الشغل والإدماج المهني، منذ تولي مهامها من لدن الوزير الجديد في أبريل 2017؛
  • تجاهله لمبدأ استمرارية المرفق العمومي في عدم التزامه بقرارات وزير مالية أسبق لم يعترف بأحهزة التعاضدية المنبثقة عن جمع عام غير قانوني سنة 2011 بناء على مبدأ أن ما بني على باطل فهو باطل.

وللتذكير فقد اعتبرت "التنسيقية النقابية والحقوقية لمناهضة الفساد في التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية"، في بلاغ لها صادر بتاريخ 16 دجنبر 2016 " رفض وزارة المالية، إجراء افتحاص عن التدبير المالي والإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، عن سنوات 2012، 2013، 2014، 2015 و2016، يُشكل تواطؤا وشراكة في كل عناصر الجريمة المرتكبة، وسبيلا للإفلات من العقاب".

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو هل يفتح رحيل محمد بوسعيد الباب على مصراعيه لوقف فساد التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية الذي تغول وتمأسس، عبر إصدار قرار وزاري مشترك يقضي بتطبيق الفصل 26 من قانون التعاضد الصادر سنة 1963 يحل الأجهزة المُسيرة حاليا للتعاضدية العامة، ويضع حدا للنزيف المالي فيها، وسوء تدبيرها، الذي تم تعميقه مؤخرا بتبديد مئات ملايين السنتيمات على جمع عام منعقد في فندق فخم بمراكش، ويدفع ثمنه عشرات آلاف المنخرطين المرضى وذوو حقوقهم مقابل خدمات تتدهور بانتظام.