Monday 19 May 2025
خارج الحدود

وفاة الزعيم الكوبي قائل "السلطة عبودية وأنا عبدها" فيديل كاسترو

وفاة الزعيم الكوبي قائل "السلطة عبودية وأنا عبدها" فيديل كاسترو

توفي فيديل كاسترو ابو الثورة الكوبية الذي حكم بلاده بيد من حديد وتحدى القوة الأميركية العظمى لأكثر من نصف قرن قبل أن يسلم السلطة لشقيقه راوول، مساء الجمعة في هافانا عن تسعين عاما.

وأعلن راوول كاسترو، في بيان تلاه عبر التلفزيون الوطني، "توفي القائد الأعلى للثورة الكوبية في الساعة 22,29 هذا المساء" (03,29 ت غ السبت).

ولم يوضح راوول كاسترو أسباب الوفاة، لكنه قال إن الجثة ستحرق.

وقال "بناء على رغبة عبر عنها الرفيق فيديل، سيتم حرق جثمانه في الساعات الأولى" من اليوم السبت.

وأضاف "إن تنظيم الموكب الجنائزي سيتم توضيحه لاحقا"، قبل أن يختم إعلانه مطلقا هتاف الثورة "هاستا لا فيكتوريا سيمبري" (حتى النصر دائما).

"لن أتقاعد أبدا من السياسة، السلطة عبودية وأنا عبدها"، هذا ما كان يؤكده كاسترو الذي تحدى جاره الشمالي الجبار على مدى نصف قرن قبل أن ينأى بنفسه عن الحكم اعتبارا من العام 2006.

فمع الوقت، تحول الزعيم "صاحب اللحية" الذي كان في الـ 32 من العمر حين أطاح في 1959 ديكتاتورية الجنرال فولغنسيو باتيستا وجسد آمال اليسار الثوري، الى حاكم متسلط يقمع المعارضة بلا رحمة ويحكم كوبا مثل رب عائلة.

كتب عنه صديقه الكاتب الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب غابرييل غارسيا ماركيز في 2008 "صبر لا يقهر. انضباط حديدي. قوة المخيلة تسمح له بقهر أي طارئ".

وفي المقابل، يطلق معارضوه عليه أوصافا كثيرة أيضا، من دكتاتور ومهووس بالعظمة ومتسلط، حتى ان الصحافي نوربرتو فوينتيس الذي أصبح أحد أشرس منتقديه بعدما كان صديقا له يصفه بأنه "مسخ من الأنانية، مستهتر وعديم الأخلاق".

بقي على خطه المتشدد الذي دفع الشعب ثمنه تضحيات فادحة وقد خضع في التسعينيات لـ "فترة خاصة في زمن السلم"، وفق تعبير كان رديفا لانقطاعات خانقة في المواد الاساسية، من غير أن يقبل يوما بتليين سياسة نظامه ولو قليلا.

دخل ابن المهاجر الاسباني والتلميذ السابق للآباء اليسوعيين، التاريخ في الـ 27 من عمره حاملا السلاح حين حاول السيطرة في يوليوز 1953 على ثاني موقع عسكري في البلاد، ثكنة "لا مونكادا" في سانتياغو (جنوب شرق)، محاطا بمجموعة من مئة مناصر.

وإن كانت العملية فشلت وأدت إلى سجن المحامي الشاب ونفيه، إلا أنها لم تضعف عزيمته. وبعد ثلاث سنوات على العفو عنه واطلاق سراحه، باشر حرب شوارع استمرت 25 شهرا واسقطت دكتاتورية باتيستا، وتكللت بانتصار ثورة "أصحاب اللحى" (باربودوس) في يناير 1959.

وبات انطلاقا من ذلك الحين، يجسد ثورة سرعان ما ابدت تقاربها مع موسكو، على مسافة أقل من 200 كلم من الولايات المتحدة، في وسط الحرب الباردة.

في 1961، عمد جون كينيدي الثاني بين الرؤساء الأميركيين الـ 11 الذين تحداهم كاسترو، إلى إنزال كوبيين معادين له في جزيرة الخنازير، لكن العملية سجلت فشلا ذريعا للأميركيين وحولت فيدل كاسترو الى بطل اشتراكي جعل من مكافحة الامبريالية ركيزة لسياسته.

كان خطيبا لا يكل دخل التاريخ إلى جانب كبار الثوريين أمثال لينين وماو، بسيجاره ولحيته الكثة وبزته العسكرية الخضراء الزيتونية.

تبناه نيكيتا خروتشيف وأراد نصب صواريخ نووية في كوبا، فنشبت "أزمة الصواريخ" في أكتوبر 1962، التي قادت العالم إلى شفير نزاع ذري، وخرج منها فيدل كاسترو ذليلا ومريرا لعدم استشارته، بعدما تم التوصل الى اتفاق بين القوتين العظميين.

عندها عمل على نشر الثورات ودعمها في العالم الثالث، متحديا واشنطن وحتى الكرملين أحيانا، فيما غادره رفيق سلاحه ارنستو "تشي" غيفارا للقيام بمهمة مستحيلة في بوليفيا حيث قتل عام 1967.

كان فيدل كاسترو رؤيويا أكثر مما كان إداريا، أطاح في 1968 بآخر ما تبقى من الرأسمالية الكوبية، وربط البلد بصورة وثيقة بالاتحاد السوفياتي. وفي 1975، أرسل كاسترو قواته إلى ما وراء المحيط الأطلسي في مغامرة إفريقية استمرت 15 عاما شاركت خلالها في ساحات معارك في أنغولا وإثيوبيا.

مع سقوط الاتحاد السوفياتي، اضطر كاسترو في التسعينيات إلى تقديم تنازلات خجولة للرأسمالية، عاد وتراجع عنها ما إن وجد حليفا جديدا في الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الذي توفي عام 2013 بعدما رفع على مدى سنوات شعلة حركة "كاسترية" جديدة.

وبالرغم من خيبة الكوبيين، بقيت شريحة كبيرة منهم وفية لكاسترو، متمسكة خصوصا بالإنجازين الاجتماعيين للنظام: الرعاية الصحية للجميع ومحو الأمية. وفي هذه الأثناء واصل كاسترو الحكم بقبضة من حديد فكم أي معارضة بنفيها أو سجنها.

إلا أن القرن الواحد والعشرين لم يكن قرنه. واعتبارا من 2001، أصيب بسلسلة من النكسات الصحية. ففي يوليوز 2006، أرغمته عملية جراحية على التخلي عن السلطة لشقيقه الأصغر راوول، ذراعه الأيمن ووزير الدفاع منذ 1959.

وإن كان صاخبا على الساحة العامة، إلا أنه كان سريا في حياته الخاصة، وله ثمانية أولاد على الأقل، بينهم خمسة أبناء من داليا سوتو ديل فالي، رفيقته التي عاش بجانبها حتى وفاته.

وتحدث عن إرث الشيوعية الكوبية، في وقت تسلك الجزيرة منذ نهاية 2014 تقاربا تاريخيا مع العدو الأميركي السابق، في انعطافة دبلوماسية اعتمدها شقيقه ولم يعارضها يوما فيدل، حتى لو أنه يذكر دوما بريبته حيال واشنطن.