الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني: إعلام القطب العمومي.. الخواء المعمم

عبد الرحمان العمراني: إعلام القطب العمومي.. الخواء المعمم عبد الرحمان العمراني

أعترف أنني لا أشاهد القنوات العمومية إلا لماما وفي مناسبات جد محدودة. أو حينما أكون في زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء وأجد تلفازه مفتوحا على إحدى قنوات ما يسمى بالقطب العمومي. حيث أجدني في حرج من أمري: كيف لي أن أطلب تغيير القناة وأنا ضيف على كأس شاي في منزل غيري. وغالبا ما أطلب من هذا القريب أو الصديق أن ينقص الصوت إلى أقصى حد ممكن.

السبب الرئيسي لهذا الإحجام عن المشاهدة هو أنه كلما شاهدت نشرة أخبار أو مواكبات لأحداث أو تنقلا للكاميرت والصحافيين لتغطية أنشطة رسمية أو ندوات أو لقاءات أحس أن الزمن السياسي عندنا تجمد في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي لم يبرحها رغم توالي الدساتير و"المسلسلات الديمقراطية" والإستفتاءات والإنتخابات المحلية والجهوية والوطنية والمهنية.

نفس التوجه والنغمة، نفس "المرادفة" بين الإخبار والمديح، والتعليق والإحتفال، نفس التهليل لكل ما يصدر عن الهيآت الرسمية، بطريقة فجة تستبلد الناس جميعا. نفس الرغبة في تقويل الناس تحت عدسات التصوير ما يريد متنفذو القطب أن يسمعوه أو يسمعوه (بضم الياء) مضخما لرؤسائهم الحقيقيين في السلم الإداري. نفس الإصرار على إبراز أن القطب الإعلامي مجرة خاصة لا علاقة لها، في الواقع العملي، لا بحكومة ولا ببرلمان ولا بأية مؤسسة حكامة أو ضبط أو تضبيط.

على الأقل حينما كانت وزارة الإعلام مدمجة في وزارة الداخلية بتسمية موحدة كانت الأمور واضحة.

 المفزع في الموضوع اليوم أنه حتى حينما تريد أن تضغط على مشاعرك الحقيقية وأحاسيسك الدفينة وقناعاتك الراسخة المسنودة  بالوقائع الدامغة، وتقول لا .كفى عدمية .  الأشياء تتحرك في البلاد والأمور تتطور؛ تأتي نشرات الأخبار الرئيسية في قنوات القطب العمومي لتقنعك بأنك حالم وأن التطور الحاصل هو أشبه مل يكون بالسير على طريقة الكانكريخو a pasos de cangrejo بتعبير الكاتب  الايطالي الراحل امبيرتو ايكو  ،في إشارة إلى ذلك السمك الصخري الصغير الذي يسير دائما نحو الخلف على الأحجار المشققة قرب الشواطئ.

والمفزع كذلك أن هذا يحدث في زمن الجيل الرابع أو الخامس- لست ادري - من ثورة الاتصال والتواصل.

بقيت الإشارة إلى أنه ككل التفاعلات الحاصلة فإن الإستسواء السلبي،Le nivellement par le bas  فعل فعله وظهر مفعوله في المشهد الإعلامي ولم يعد هناك اليوم فرق بين القناة الأولى والثانية وميدي 1 تيفي وغيرها من القنوات حينما يتعلق بأخبار "اللاأخبار "،حيث تتجاوز المسالة مفهوم الزيف الإعلامي desinformatio أو الأخبار الزائفة  fake news .كما يتم تداول المفهومين في النقد الإعلامي؛ عالميا اليوم إلى ما هو أفظع وأخطر وأكثر ضغطا على النفوس والضمائر والأعصاب.

وحينما تستبد بي حالة الغثيان من إعلام قطبنا العمومي أراني دائما أضغط على الزر باحثا بسرعة على البي بي سي أو الـCNN قائلا  مع نفسي "

الأخبار الوطنية استقيها من مشاهدة الواقع على الأرض أحسن من أن أمر عبر وسيط  قنوات القطب. هناك في القنوات الدولية، على الأقل، ستتابع الأخبار الدولية والنقاشات المصاحبة وستصادف إعلاما تجد فيه الرأي والرأي الآخر ولن تجد فيه مفهوم الأخبار وقد استحال، ممسوخا، إلى مجرد التهليل والتغني بفضائل السلطة أو مغانمها.