في ظل هذا الزمن المغربي أصبحنا أمام ظاهرة يسار الموضة، فهنالك يسار العائلات "العائلوقراطية"، ويساريو بنكيران، ويساريو الكمون، ويساريو القومة، حتى وصلنا اليوم إلى يسار دانون...
و هذه الظاهرة أصبحت تدعونا اليوم بإلحاح مقاربة و معرفة ما معنى أن تكون يساريا في المغرب؟ وهو السؤال الذي بات مطروحا بحدة إذ هل يكفي كي تصنف يساريا الإيمان بفكرة أو تبني الاشتراكية كأسلوب، أو الشيوعية كفلسفة، أو الماركسية كمنهج، بمشاربها وروافدهاواتجاهاتها المتنوعة من لينينية وماوية وتروتسكية وغرامشية، بوليفارية؟
وهكذا، وبما أن المناسبة شرط، فإن تعدد تلاوين اليسار يفرض علينا التوضيح بغية الإجتهاد في طرح البديل اليساري الشعبي. لكون اليسار المغربي لم ينبثق عن المؤسسات على غرار نظيره الفرنسي الذي أفرزته المؤسسات خلال الثورة، حيث سمي اليسار كذلك نتيجة التموقع الذي اختاره من خلال موقفه من الملكية و الملك لويس 16. إذ كان الرافضون المعارضون من النواب يجلسون في الجهة اليسرى من البرلمان، بينما المساندون للملكية والكنيسة والإقطاع يجلسون في الجهة اليمنى. من هنا أفضى التطور السياسي في التجربة الفرنسية إلى تطور في المفهوم كذلك، وذلك بتبني اليسار لفكرة الديمقراطية فيما أصبح يسمى الاشتراكية الديمقراطية التي تمزج بين الليبرالية والإشتراكية الماركسية أساسا، ومن تم ازداد تشعب هذا التيار وأصبح من الصعب تحديده في خانة واحدة أو في تنظيم أو فلسفة واحدة.
لكن ما يقع عندنا في المغرب عكس هذا المفهوم المتطور لليسار الذي كان نتيجة تراكم سياسي وفق سيرورة تاريخية، بل نحن هنا والآن أمام يسار الأشخاص بدون فلسفة واضحة وموضوعية لمفهوم اليسار، بحيث صرنا أمام يسار لشكر، و يسار بعبد الله و يسار منيب، و يسار براهمة والقاسم المشترك بين يسارات هؤلاء هو البحث والطمع في كراسي السلطة دون تقديم مشروع بديل يستند على مرجعية ثابتة الأركان والمعالم، هي تلاوين من اليسار تتدافع بينها مع انعدام أي امتداد شعبي.!؟
وهذه لعمري هي الإشكالية الأساسية التي بات اليوم يتخبط فيها اليسار في المغرب.