الأحد 5 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى نزيه: بعد وصوله إلى البيت الأبيض... هل سيساهم ترامب في إحياء القطبية الثنائية من جديد؟

مصطفى نزيه: بعد وصوله إلى البيت الأبيض... هل سيساهم ترامب في إحياء القطبية الثنائية من جديد؟

مما لاشك فيه أن أسباب المفاجأة التي خلقها دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، بفوزه في انتخابات 8 نونبر 2016 الرئاسية ـوالتي لم تكن بطبيعة الحال مرتقبة من طرف الملاحظين سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة الأمريكيةـ داخلية بالدرجة الأولى. لذلك فهي تعكس أن أعرق ديمقراطية في العالم اختارت طريق الانكماش على الداخل.

وهذا يدعو إلى القول بأن العالم ولج بالفعل عصر الانغلاق، خاصة إذا ما استحضرنا، بالموازاة، قرار البريطانيين بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتصويت الأغلبية الساحقة في هنغاريا ضد خطة الاتحاد لاستقبال اللاجئين وقرار بلغاريا الزيادة في طول سياج على الحدود من 33 إلى 60 كيلومتر لوقف تدفق المهاجرين.

فرغم وعودها بالدفاع عن الأمريكي المتوسط ومواجهة الفروقات الاجتماعية، خلال المنافسة في حملة انتخابية لم تميزها اقتراحات مرتبطة بالبرامج بقدر ما ميزتها هجومات بألفاظ نابية وهجومات مضادة، فهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي، لم تجرؤ مثل دونالد ترامب على الضرب على أوتار حساسة كقضايا الهجرة، التي قال بشأنها أنه سيسيج الحدود مع المكسيك التي يبلغ طولها 3200 كيلومتر، والتطرف، الذي ألصق بالمسلمين ظلما وعدوانا، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية الكبرى كاتفاقيات التبادل الحر والحد من تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج و إلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير".

ومعلوم أن التركيز على قضايا البطالة والهجرة والتطرف ومكافحة الإرهاب خلال الحملات الانتخابية في الغرب أصبح عبارة عن نشاط مدر لربح الأصوات.

فهل الانغلاق والاهتمام فقط بقضايا الداخل أصبح ظاهرة تفرض نفسها؟ وهل نحن أمام انتصار الممارسة الشعبوية على الدبلوماسية السياسية وعلى الأسلوب التقليدي في السياسة بعد أن أصبح جل محترفيها عاجزين على تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطن بفعل الأزمة العالمية؟

يلاحظ كذلك على المستوى الداخلي الأمريكي أن عزوف عدد من المواطنين السود عن المشاركة شكل خسارة كبيرة بالنسبة لمرشحة الحزب الديمقراطي كون رفيقها في الحزب، الرئيس باراك أوباما، لم يواجه بحزم قتل بعض رجال الأمن لمواطنين سود خلال ولايته الثانية.

أما على المستوى الخارجي، وهذا هو بيت القصيد الذي بات يؤرق عواصم العالم منذ الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات، فوعد دونالد ترامب الانتخابي بإعادة تشغيل مناجم الفحم التي أوقفها أوباما حفاظا على البيئة وإفصاحه عن نيته إلغاء اتفاقية باريس حول المناخ، التي التزمت بها الولايات المتحدة الأمريكية خلال مؤتمر الأطراف "كوب 21"، خلفا تخوفات داخل الاتحاد الأوروبي الذي سيتضرر من مواقف أخرى للرئيس الجديد لو نفدت.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن نظام القطبية الثنائية يمكن أن يحيى من جديد على عهد الرئيس ترامب الذي عبر خلال الحملة عن إعجابه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأفصح أيضا عن نيته في الحد من تدخلات أمريكا في الخارج بما فيه سوريا.

فمن المحتمل إذا أن يترك دونالد ترامب، الذي قال أن واشنطن لا يمكنها أن تتدخل في كل الأمكنة، مساحات لروسيا لتتواجد أو لتعزز تواجدها ويكون بذلك قد ساهم في كتابة حياة جديدة لمحور موسكو ـ  واشنطن دون صدام الطرفين. إذ لا يخفى على الملاحظ أن العزيمة القوية التي تدخلت بها روسيا في أوكرانيا، من جهة، وفي سوريا، من جهة ثانية، تترجم طموح الرئيس بوتين، ولو على المدى البعيد، إلى استعادة أمجاد وحضور الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى موازية للولايات المتحدة الأمريكية.

ومثل هذا السيناريو من شأنه أن يجنب العالم أي صدام بين موسكو والغرب، خاصة احتمال الاحتكاك بين القوات الروسية والأمريكية على الأراضي السورية، مما يمكن أن تترتب عنه حرب عالمية ثالثة، ولو أن البابا فرنسيس وصف تعدد بؤر التوتر في العالم حاليا بمثابة حرب عالمية ثالثة موزعة بالتقسيط، أو كما تساءل غونتر غراس، الكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل، "عما إذا لم تكن تلك الحرب قد بدأت بالفعل بطريقة مختلفة تماما عما عهدناه في الحربين العالميتين الأولى والثانية".

لكن هذا السيناريو، لو حدث، سيكون كارثة بالنسبة للشعب السوري ومضرا بالعرب لصالح إيران المتدخلة في الشأن السوري. أما هذه الأخيرة، فستعاني، من جهتها، من السياسة المحتملة للرئيس ترامب الذي يعتزم إلغاء الاتفاق النووي مع طهران، مما قد يعطي، من جهة أخرى، توازنا في القوى مع دول الخليج.

إنما إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وكذا استقالة الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، لو تم التنفيذ، سيشكلان ضربتين قويتين للاتحاد الأوروبي الذي يخشى فقدان الحليف التقليدي الذي لا محيد عنه. إذ أن خروجها من المعادلة سيضع الاتحاد وجها لوجه أمام روسيا دون غطاء يذكر بل سيكون الاتحاد مضطرا للتراجع والقبول بالأمر الواقع، أي قبول أي تقسيم مستقبلي لمناطق النفوذ بين موسكو وواشنطن دون اصطدام.

يبقى الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر من وصول دونالد ترامب إلى هرم السلطة في أمريكا حيث الاحتمال وارد أن تسير القضية الفلسطينية من سيء إلى اسوا خلال ولاية الرئيس الجديد، مع الأسف.

ومن المحتمل كذلك أن يتخلى دونالد ترامب عن حلف دول الخليج ولو أن التراخي في العلاقة معها ومع عدد من الدول العربية بشكل عام، كحلفاء تاريخيين، بدأ على عهد الرئيس باراك أوباما، بل قبله بمشروع "الشرق الأوسط الكبير".

فسيناريو القطبية الثنائية ربما يحيلنا على قول العرب: "رب ضارة نافعة". إذ أن "فلاش باك" سريع يذكرنا بأن تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1991 وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالساحة الدولية أدى إلى تدبير للشأن الدولي أقل ما يقال فيه أنه أناني ولم يراع بعض التوازنات. وفي هذا الإطار كانت أمريكا قد اطلقت في عهد الرئيس جورج بوش سنة 2004 مشروع "الشرق الأوسط الكبير" كمنطقة تضم الدول العربية وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وإسرائيل لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي فيها. و هو مشروع لم يكتب له النجاح نظرا للاختلاف في الأنظمة و التوجهات والتحالفات فبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن حل ما سمي بـ "الربيع العربي" الذي أتى على الأخضر واليابس في بعض البلدان. ربيع عربي أوحى لبعض الملاحظين بمفهوم "الفوضى الخلاقة" الذي تبنته كندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وأشارت بشأنه، سنة 2005 لصحيفة واشنطن بوست، إلى إمكانية انتقال الدول العربية والإسلامية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية عن طريق الفوضى الخلاقة.

مثل هذا التدبير الأمريكي للأوضاع أدى بالدرجة الأولى إلى تراجع إسرائيل عن أي التزام تجاه الفلسطينيين وتجاه جيرانها في منطقة الشرق الأوسط مما ساهم في فقدان الثقة في واشنطن، في الوقت الذي ظل فيه الرأي العام العربي ينتظر قبول إسرائيل بحد أدنى من العدل بشأن أطول جرح إنساني عرفه التاريخ.