الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سعيد منتسب: الغضب الساطع

سعيد منتسب: الغضب الساطع

لا شيء خارج الصورة التي لم تكن خالية من الحامض النتري. الرجل القتيل، أعني بائع السمك، لم يكن يبتسم؛ كان يغمض عينيه ليرانا على نحو أفضل. هل كان يعرف ما هو الموت حين ارتمى على مضض، ليستعيد ما تبقى من صورته؟

أنظروا إليه بإمعان. إنه يمد يده التي لم يكن يعلم أنها ستموت في ثوان. طوى الخوف في ارتماءة، ليعلمنا كيف نعبر إلى الضفة الأخرى باعتزاز، ولم يكن يبحث عن باب للخروج. كان معنيا فقط بمن يفسر له هذا الظلم اليانع، وبهؤلاء الذين يحكمون وضع النظارات خلف آذانهم كي لا يروا ما نرى.

أنظروا إليهم.. إلى تلك الزعامات الفارغة، لم يختبئون من الذعر خلف صخرة؟ لا بد أنهم أكلوا ألسنتهم بشهية، ولا بد أنهم يوصون بعضهم البعض بإغراقنا في المهدئات..

لم يتكلم منهم أحد رغم الحرب التي لا تنام، ورغم بيوت الأرق التي تحاصر البلاد..

إني أشك في انتماء هذا الوطن إلي. أشك في حمضي النووي، وفي التراب والهواء.. وفي هذا العويل الذي ينحني على ركبتيه..

بائع السمك سرقوا منه حياته سمكة سمكة.. ونحن هل سنجعل من غضبنا "وقتا خطأ"؟ هل سننسى بإخلاص ما جرى وننظفه كالعادة من تاريخنا، أم سنفتح عاصفة لنرى أمامنا حقيقة الطغيان كما هو؟

لا نريد أن نستيقظ كالجوعى في أرض غريبة، ولا نريد أن يقنعنا أحد بأن القصاص ينمو تحت جلد الشاحنة.

نريد لكرامة المواطنين أن تكبر، وأن تصير منطقة حرة على الإطلاق. نريد تجفيف دماءنا من الكلاب المسعورة، من كل الأذى الذي قد يحدث.. من هؤلاء الذين يطحنوننا كل يوم ما بين الإبهام والسبابة..

من أجلنا جميعا، لا ينبغي أن نسكت.. ولا أن ننصرف إلى حال يأسنا.. نريد أن نزحزح القسوة إلى الركن.. وأن نعلم الأوغاد، كيفما كانوا ومهما بلغت رتبهم، ما معنى الغضب الساطع..