الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

د. تدمري عبد الوهاب: هذا قولي في المضمر من البيان وما يفتحه من آفاق للعمل الحقوقي والديمقراطي المشترك

د. تدمري عبد الوهاب: هذا قولي في المضمر من البيان وما يفتحه من آفاق للعمل الحقوقي والديمقراطي المشترك عبد الوهاب تدمري

على إثر البيان المشترك لفروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتنسيقيات منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب بإقليم الحسيمة، وما لمست فيه من وضوح للرؤية بين مختلف الطيف الحقوقي بالإقليم، خاصة مع ما يشهده الريف، بصفة خاصة، والمغرب بصفة عامة، من أزمة خانقة وضعت المجتمع في مواجهة مباشرة مع الدولة، مع كل ما رافق هذا الوضع من انتشار للفكر الغوغائي الشعبوي، والمتطرف، لدى البعض من الشباب الذين لم يسبق أن تأطروا في أي تجربة سياسية أو تنظيمية  سابقة، وذلك بما يفيد حركة كل شيء من أجل لا شيء، في مقابل تغول الدولة وأجهزتها الأمنية، التي تتحجج بما يصدر عنهم من ردود أفعال وانفعالات، من أجل إعطاء الشرعية لمقاربتها الأمنية ولارتكاب المزيد من الانتهاكات. هذا كله في غياب دور النخب الفكرية الديمقراطية والحداثية في التأطير الفكري والسياسي للحراك الشعبي، بما يترجم التطور الحاصل في الوعي الجمعي لدى شرائح واسعة من المجتمع، و الذي يتطلب منا عملية إعادة بناء شاملة؛ وعدم الاستكانة إلى الجاهز، الذي تحكم تفكيرنا وتصوراتنا السياسية في مراحل سابقة، ولا أقول التنظيمي الذي يستحق منا كذلك مراجعات جذرية وعميقة تتجاوز تلك المفاهيم النمطية للتنظيم. وكذلك غياب للمبادرات الجريئة الرامية إلى حلحلة الأوضاع بما يتناسب ومتطلبات المجتمع المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

إنه فعلا عمل يستحق كل التقدير والاحترام، ودعوة صريحة لتأسيس ائتلاف عريض بإقليم الحسيمة، قوامه الحركة الحقوقية وعائلات المعتقلين، وكل القوى التقدمية والديمقراطية من هيئات نقابية وسياسية ومجتمع مدني، من أجل تأسيس لبنة للعمل المشترك في شقيه الحقوقي والديمقراطي، خدمة لقضايا الريف وملفه المطلبي الذي رسمه الحراك الشعبي، ومن أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين، ووقف المتابعات في حق النشطاء، دون اغفال الكشف عن حقيقة ما جرى  بالنسبة للشهداء الخمسة وللشهيد عماد العتابي، وما تعرض له المعتقلون، ومعهم كل المنطقة، من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

تحياتي للحركة الحقوقية بإقليم الحسيمة عن هذه المبادرة النضالية التي تتطلب من كل الضمائر الحية بالإقليم الالتفاف حولها.. كونها دشنت بداية لاستراتيجية جديدة يتم الاشتغال عليها بتأن، وبكل ما تستلزمه من انفتاح على كل الفعاليات الديمقراطية بإقليم الحسيمة، على اختلاف مرجعياتها، سواء كانت يسارية أو أمازيغية أو حتى حداثية ليبرالية... المهم أن تكون ديمقراطية، وغيورة على مصلحة المنطقة والوطن.

إنها  الاستراتيجية التي يجب أن تقوم، في نظري، على الوضوح في التصورات والأهداف، والتي أتمنى أن تمتد إلى باقي أقاليم الريف الكبير، لما تشكله هذه الأخيرة من عمق استراتيجي، اقتصادي جغرافي واجتماعي، ولما تشكله من مجال خصب ومضيء للذاكرة المشتركة لأهلنا في عموم بلاد الريف. وهو ما سيتطلب لاحقا توسيع تلك الآلية والنواة المشتركة لتعم كل جغرافية الريف من أجل التفكير الجماعي في آليات استشراف مستقبلنا المشترك، والعمل على استرجاع تلك المكانة الريادية التي تبوأتها المنطقة الشمالية، طيلة النصف الأول من القرن العشرين، حين احتضنت حاضرة تطوان روح المقاومة الريفية، وعملت نخبها على تأسيس أول جريدة وأول حزب سياسي جهوي في بلاد  المغرب، وشكلت مركز استقطاب للكثير من النخب الفكرية والسياسية من مختلف مناطق الريف الكبير ومن عموم الوطن. وشكلت بذلك مركز ثقل في صناعة القرار السياسي والمقاوماتي، ليس فقط على  مستوى الجهة، بل على مستوى كل الوطن.

كل هذا قبل أن تعمل النخب المحسوبة على اتفاق إكس ليبان، خاصة الفاسية والرباطية منها، على سلبها ذلك الدور الريادي التاريخي، وذلك بعد أن ارتكبت في حقها الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خاصة إبان عقد الخمسينات من القرن الماضي، والتي طالت الكثير من المناضلين الشرفاء الذين تمثلوا المدرسة الخطابية على امتداد جغرافية الريف الكبير، لتستكمل الحلقات الأكثر دموية في هذه الانتهاكات، مع قيام انتفاضة الريف الأوسط سنوات 58/59. وهي الانتهاكات التي عجزت هيئة الإنصاف والمصالحة حتى على ذكرها في تقريرها النهائي، لما لهذه الانتهاكات من علاقة مباشرة بأطراف سياسية، إضافة إلى القصر، لازالت حاضرة في المشهد السياسي الحالي، وتعتبر من مؤسسي توافقات دولة ما بعد الاستقلال. وبالتالي شكلت لهم، أي بالنسبة لأعضاء الهيئة، خطا أحمرا. وعدم التطرق لها شرطا أساسيا، حتى ينال التقرير النهائي موافقة جميع الفرقاء، وهي الموافقة التي تشكل ضمانة، ولو شكلية، لنجاح الهيئة في مهمتها، حسب مقتضيات العدالة الانتقالية. إنها فعلا مبادرة تستحق كل التقدير والثناء. مبادرة يمكن أن تؤهل الريف الكبير وكل الوطن، بمختلف نخبة التقدمية والديمقراطية، للعب ادوار اساسية بعقلية جمعية، في أي مشاريع ومبادرات سياسية جهوية ووطنية مستقبلية، وذلك في إطار البحث وإبداء مقترحات الحلول، لما يعيشه الريف بصفة خاصة، والمغرب بصفة عامة، من أزمة شاملة، والتي تفرض على صناع القرار بالمغرب، آجلا أم عاجلا، البحث عن تعاقدات اجتماعية وسياسية جديدة، تؤسس للدولة الديموقراطية المتعددة الضامنة لحق تقرير مصير الجهات التاريخية في إطار دولة الأطونوميات الجهوية المتضامنة، وتقطع بالمقابل مع منطق التوافقات الذي كان سببا في ما نحن عليه من أوضاع مأزومة سياسية واقتصادية واجتماعية، تسير بالمغرب إلى عوالم مجهولة.

فهل فعلا سنكون في مستوى اللحظة التاريخية ونوحد مجهوداتنا من أجل أن نكون حاضرين، كقوة اقتراحية، وليس بالضرورة تنظيمية بالمفهوم النمطي للتنظيم الذي يحتاج منا مراجعة جذرية تستفيد مما راكمه المجتمع من اليات تعبوية وأشكال تنظيمية.. قوة تكمن في مدى تمثيلها لمطالب الشعب المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومعبرة عنه، وذلك في قادم المحطات المفصلية من تاريخ الصراع السياسي في المغرب، وما يطبخ فيه من سيناريوهات محتملة؟ أم ستكون كسابقاتها من المحطات، وبالتالي سنكتفي بالمراقبة، ونتحسر على ما فات من فرص ضائعة، تحت ذريعة أن موازين القوى ليست لصالحنا، في حين أن هذه المهمة قد أنجزها المجتمع، بوعيه الحسي، وفي غفلة من الجميع، ودخل في مواجهة مباشرة مع الدولة المخزنية، سواء بالاحتجاجات أو المقاطعات.