حينما كان الجيلالي الزرهوني المعروف ببوحمارة، يسعى في بداية القرن العشرين إلى الحصول على الوسائل المالية لتقوية نفوذه في المغرب الشرقي، اقترح على أحد الفرنسيين بأن يبيع له مارتشيكا. وتعني بالإسبانية البحر الصغير. وهي بحيرة تقع على شاطئ البحرالأبيض المتوسط غير بعيد عن مدينة الناضور في النهاية لم يتمكن بو حمارة من إبرام صفقة بيع ما رتشيكا ولم يعد أحد يتحدث عن هذه البحيرة سواء على امتداد سنوات الحماية الإسبانية على الشمال أو طوال سنوات عهد الاستقلال والحرية.
والآن ونحن في القرن الواحد والعشرين حيث عرفت العديد من جهات المملكة حركة عمرانية كبيرة وتعدد الأوراش الكبرى التي أبرزت خبرة الشباب من أبناء وبنات الشعب المغربي، فقد اتجهت العناية إلى بحرية مارتشيكا حيث تمت إقامة مشروع سياحي لا يقل أهمية عن المشاريع العمرانية والسياحية التي شيدت في الدار البيضاء والرباط وطنجة وغيرها من المدن والجهات. كانت بحيرة مارتشيكا منطقة مهملة لا أحد يرغب أن يقترب منها جراء الروائح الكريهة التي كانت تنبعث من حولها.
واليوم تغيرت المعالم العمرانية للبحيرة حيث أصبحت محاطة بفضاءات خضراء وإقامات صالحة للسياحة أو السكن بضفاف شاطئ صالح للسباحة وممارسة الرياضات المائية. هذه الخبرة التي اكتسبها المغاربة في مجال البناء وتشييد المجمعات العمرانية في أرض الوطن انطقلنا الآن إلى مرحلة تصديرها إلى الخارج وبالذات إلى أصدقائنا وإخواننا في البلدان الإفريقية وإلى الكوت ديفوار على وجه الخصوص.
ففي أبيدجان عاصمة الكوت ديفوار توجد على شاطئ البحر بحيرة معروفة باسم كوكوديل. وهي موقع كان زوار المدينة وسكانها يفضلون عدم الاقتراب منه نظرا للروائح الكريهة التي كانت تنبعث في أجوائه. ومنذ فترة قصيرة، جاءت مرحلة الاهتمام بمستقبل هذه البحيرة في سياق التعاون المغربي الإيفواري وذلك بالتركيز على إنجاز مشروع سياحي كبير يقتضي إقامة تجهيزات عمرانية بعد عمليات تطهير البحيرة من القادورات والنفايات ومختلف أسباب انبعاث الروائح الكريهة.
وفي روبرتاج تناقلته مؤخرا محطات التلفزة بالمغرب والكوت ديفوار، تبين أن 60 في المائة من الأشغال الكبرى قد تم إنجازها بهدف أن تصبح أبيدجان عاصمة كوت ديفوار في مستوى عمراني وسياحي لا يختلف عما تم إنجازه في بحيرة مارتشيكا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط شمال المغرب. وعبر رئيس وزراء كوت ديفوار عن سعادته بهذا الإنجاز الرائع الذي ما هو إلا نموذج ناجح للتعاون جنوب - جنوب بين دولتين إفريقيتين صديقتين.
وهكذا فما لم يتمكن الفرنسيون من إنجازه في الكوت ديفوار طوال سنوات المرحلة الاستعمارية أو في عهد الراحل هوفويت بوانيي وهو العهد الذي كانت فيه الكوت ديفوار مرتبطة بفرنسا في إطار علاقات لم تختلف في عهد الاستقلال عن عهد الاستعمار، فهاهو المغرب اليوم يستطيع أن يحقق في البلد الإفريقي الشقيق إنجازا كبيرا بفضل قدرة بلادنا على تصدير الخبرة والمهارة التكنولوجية في مجالات الإنشاء والتعمير. ويمكن للمغرب أن يعتز ويفتخر بهذا التوجه الذي يقوي حضور بلادنا في القارة الإفريقية من خلال مشاريع عمرانية تعود بفائدة كبيرة على الشعوب التي فتح حكامها أقطارهم وقلوبهم للتعامل والتعاون مع بلادنا التي تعود الآن بقوة لتمارس حضورها في العديد من الأقطار الإفريقية.
كتاب الرأي