Wednesday 22 October 2025
Advertisement
كتاب الرأي

أبو آدم المهدي: الموقف البولندي من قضية الصحراء المغربية لحظة مفصلية في مسار العلاقات المغربية-البولندية

أبو آدم المهدي: الموقف البولندي من قضية الصحراء المغربية لحظة مفصلية في مسار العلاقات المغربية-البولندية أبو آدم المهدي
البيان الصادر عن وزارة الخارجية البولندية، والذي أعلن فيه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السيد رادوسواف سيكورسكي دعم بولندا الصريح للمسار الأممي الرامي إلى إيجاد حل عادل ودائم لقضية الصحراء المغربية، يشكل محطة دبلوماسية ذات دلالات عميقة في تاريخ العلاقات بين الدولتين. فقد اعتبرت بولندا مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب أساسا جادا وواقعيا وبراغماتيا لتسوية النزاع، وهو توصيف لا يطلق اعتباطا في قاموس الدبلوماسية، فهو يعبر عن قناعة راسخة بأن الحل المغربي هو الأكثر واقعية واستدامة في ظل التحولات الدولية والإقليمية الراهنة.

ومن يقرأ المشهد السياسي الأوروبي اليوم يدرك أن الموقف البولندي هو تعبير عن رؤية استراتيجية تعيد تموضع بولندا في علاقاتها مع العالم العربي وإفريقيا. فوارسو التي أثبتت خلال العقود الأخيرة قدرتها على التحول من دولة عانت ويلات التاريخ إلى فاعل مؤثر في السياسة الأوروبية، تدرك تماما أن المغرب يمثل في شمال إفريقيا الشريك الأكثر استقرارا ومصداقية، وأن تعميق العلاقات معه ينسجم مع مصالحها الاقتصادية والأمنية على السواء.
 
وتمتد جذور العلاقات بين المغرب وبولندا إلى ما قبل منتصف القرن العشرين، حيث شكل استقلال المغرب سنة 1956 فرصة لتأسيس مسار دبلوماسي رسمي ترجم بفتح السفارات وتبادل الزيارات. وشهد التبادل التجاري بين البلدين نموا مطردا في قطاعات متعددة، شملت الطاقة المتجددة والفلاحة والصناعات الغذائية واللوجستيك. كما تدرك بولندا أن المغرب بثقله وموقعه الاستراتيجي ومصداقيته يعتبر بوابتها إلى إفريقيا، كما يعتبر المغرب بولندا نافذته نحو أوروبا الوسطى والشرقية. وهو تكامل طبيعي مبني على الثقة المتبادلة والمصالح المتوازنة.
 
وهذا التقارب لا يمكن قراءته بمعزل عن التحول الأوسع في العلاقات المغربية-الأوروبية، حيث باتت عواصم القارة العجوز تنظر إلى المغرب كشريك موثوق لا كمجرد جار جنوبي. ويأتي الموقف البولندي الجديد ليعزز هذا المسار ويمنح له عمقا إضافيا داخل المنظومة الأوروبية، خصوصا وأن بولندا تعتبر اليوم من الدول ذات الصوت الصاعد داخل الاتحاد.
 
واليوم تكتب صفحة جديدة من الرباط إلى وارسو في كتاب الواقعية السياسية، عنوانها الاحترام المتبادل والإيمان بالمستقبل المشترك. وترتسم على صفحاتها إرادة صادقة بين دولتين اختارتا أن تبنيا معا جسور الحكمة متخطية جدران المسافة، لبناء شراكات تكرس السلم والازدهار في فضاء أوروبي-إفريقي واحد تسوده الثقة والمصداقية.