الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من وحي ذكرى استقالة أكتوبر 2011

مصطفى المنوزي: من وحي ذكرى استقالة أكتوبر 2011

شكرا للجميع، على الخصوص هؤلاء الذين استوعبوا مغزى استقالتي لشهر أكتوبر 2011، إثر اغتيال الشهيد كمال الحساني، في سياق كانت الدولة تحضر ل « انتصار انتخابي » لحزب بناء على إملاءات أجنبية، وكأني بالسيناريو يتكرر، في شكل مأساة.

شكرا لهم هذه المرة، في أكتوبر 2016 ; دون استثناء، أولئك الذين تفاعلوا مع طلبي الموجه إلى أعضاء منتدى الحقيقة والإنصاف، إيجابا أو سلبا، ما عدا الذين تعسفوا في التعقيب والتعليق، الذين انتهزوا الفرصة، انتهازا شريرا، لكي يمسوا بالسمعة والكرامة الشخصية، وبالمناسبة فمنهم من كان قد طلب المصادقة وقبول الاستقالة، لكن لحسن الحظ، لم يكن لهم بديل، وهاهي نفس المؤاخذات تتكرر، واتحداهم أن يترشحوا لحمل المشعل، شكرا لأعضاء المكتب التنفيذي الذين تفهموا وقدروا الموقف، فهم يعلمون جيدا أن المخاطبين بالرسالة متعددون، وما يهم أن النتيجة تحققت بالرغم من الحصار الإعلامي وانشغال الوطن بقضايا شبه محسومة، وكلنا يتذكر، عندما أوحي لبعض النقابات المركزية أن تحدد يوم 29 أكتوبر، منذ سنتين، موعدا للإضراب، وكلنا يتذكر الذكري السابقة، يوم تفرق المناضلون بين المكتبة الوطنية وسينما الملكي، وبين تدخلات الحقوقيين وحزب القوات الشعبية وبين الرسالة الملكية، التي لازالت تداعياتها مستمرة في الزمان والمكان.

لقد وصلت الرسالة إلى الجميع، وتمثلها الواعون بأهمية المحتوى والسياق أيضا، فبغض النظر عن الاعتبار العظيم الذي يخصصه الحدث لواقعة مرض المصونة والمشمولة بحفظ الله وعنايته، أمي ومربيتي، الحاجة خديجة بنت محمد اكنكاي، غداة اقتراع 7 أكتوبر وعشية 29 أكتوبر، وهي ظرفية سوف تتشكل فيها، على الأقل خلال نصف عقد مقبل من الزمن السياسي المكثف بالوقائع والمهيكلة الكثير من جديد المراكز القانونية وتكييف للمواقع، الثقافية والحقوقية والاجتماعية، ولأن ملف المختطفين والمجهولي المصير، هو النواة الصلبة لدينامية الحقيقة والإنصاف، منذ خرجت الأمهات وزوجات ضحايا الإعتقال التعسفي والإختفاء القسري، إلى شوارع وأزقة الوطن، مناضلات ومنافحات عن الحق في الحياة والحق في معرفة الحقيقة، لذويهن، إناثا وذكورا، ولعل أهم تجاوب مع قرار تجميد العضوية، هو النقاش العمومي الذي أثير حول مصير المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف، فالمؤتمر الوطني الخامس على الأبواب، وقلة قليلة من انتبه إلى إرادة الدولة في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ما عدا إذا استثنينا ذوي حقوق ضحايا الاختفاء القسري وبعض المجموعات والفئات ذات الصلة بالإدماج الاجتماعي والتسوية الإدارية والتغطية الصحية، وطبعا أصحاب الملفات المودعة من قبلهم خارج الأجل.

فبعد 17 سنة من الاشتغال والنضال، وفي كل مرحلة يغادر الضحايا الصفوف، إما بسبب الوفاة أو المرض أو الاختيار الطوعي والمتعدد العوامل، الشخصية والمادية أو السياسية، ورغم صمود الأغلبية، فإننا لم نستطع الانفتاح بما يكفي، لضمان تأميم الملفات وتحويلها إلى قضية مجتمعية، وبنفس القدر سنجد صعوبة كبرى لضمان تجويد الاستمرارية، وهي إشكالية عويصة لا يمكن لمن يتعامل مع المنتدى كمجرد منبر موسمي للتنفيس والتعبير أن يشعر بقيمتها الوجودية..

ولذلك وبالرغم من الانفعال الوجداني الذي طوق لحظات تحرير رسالتي؛ فإن الرجة كانت مقصودة كهدف، خاصة في ظل تردد و تراخي أعضاء المنتدى وغيرهم من الحقوقيين والسياسيين عن استيعاب أن مطلب الحقيقة وتنفيذ الشق السياسي في توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، من صميم مهام الفاعلين السياسيين، والذين يعتقد جلهم أن الملفات العالقة شأن خاص بالضحايا و ضمن المجال المحفوظ للملك.

من هنا وجب تطمين حاملي المشروع والمعنيين والضحايا وذويهم، أن من غامر بحياته وحريته واستنفذ جميع الوسائل القانونية، من إجراءات إدارية ونضالية وقضائية، وواجه كل محاولات شرعنة إفلات الجلادين من العقاب، وأن من ضحى إلى جانب إخوته وأعمامه وأصهاره وجيرانه ورفاقه، لن يتخلى عن القضية، إيمانا واعتقادا وثباتا على المبدأ، وليس وصية أو توجيها من المتخصصين في الانتقاد والنقض والتكفير والتخوين، والذين لحسن حظهم لم تمنحهم الآلية الديموقراطية أي مقعد في المسؤولية، ما عدا بضعة مقاعد، منحت لهم ضمانا للحضور الرمزي باسم الحفاظ على التوازن الاضطراري، بالرغم من أن هذه المقاعد يظل اغلبها شاغرا، وقد حان الوقت لتطبيق مسطرة القانون الداخلي في حقهم، ما داموا لا يفيدون ولا يستفيدون، وحتى لا نغبن الحقوق ونصادرها، ولا نبخس الناس أشياءهم، هناك بعض العقلاء هنا وهناك وفي كل الهيئات الديموقراطية، ينتظر منهم الزمن الحقوقي التعالي عن الحزبية الضيقة والحزازات، فلا زال في الوطن من يحصن القيم الإنسانية النبيلة.