الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

الحسين بويعقوبي: الملكية والأمازيغية.. 15 سنة بعد خطاب أجدير (2001-2016)

الحسين بويعقوبي: الملكية والأمازيغية.. 15 سنة بعد خطاب أجدير (2001-2016)

بحلول 17 أكتوبر 2016 مرت 15 سنة على خطاب ملكي وصف بالتاريخي لأنه لأول مرة يخصص ملك من ملوك المغرب مند الاستقلال خطابا كاملا لموضوع الأمازيغية واختير لإلقائه مكانا تاريخيا وهو "أجدير" في قلب الأطلس المتوسط ذو الأبعاد التاريخية والسياسية العميقة، كما استدعي جميع الفاعلين السياسيين للسفر لهذا المكان والاستماع للخطاب الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقع هذا الحدث بعد سنتين من تولي الملك محمد السادس العرش وفي سياق وطني تميز بالنقاشات السياسية التي أحدثها "بيان من أجل الاعتراف بأمازيغية المغرب" المصاغ من طرف الأستاذ محمد شفيق انطلاقا من نقاشات دامت ما يقارب أربع سنوات مع مجموعة من المثقفين المهتمين بالقضية الأمازيغية والموجه للديوان الملكي في شهر مارس 2000على غرار ما قام به زعيم جماعة العدل والإحسان المرحوم عبد السلام ياسين حين بعث للملك برسالة عنونها بـ "إلى من يهمهم الأمر". أما على المستوى الإقليمي فتداعيات أحداث الربيع الأسود بمنطقة القبايل بالجزائر في نفس الفترة قد ألقت بظلالها على تطور القضية الأمازيغية بالمغرب.       

يشكل وضع الطابع على الظهير الشريف المؤسس والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد سلسلة من المفاوضات بين ممثلي القصر الملكي وبعض زعامات الحركة الأمازيغية وطريقة تشكيل المجلس الإداري للمعهد بمثابة "عقد" بين الطرفين يسعى من خلاله الملك الشاب للحصول على شرعية ديمقراطية من خلال التعاطي إيجابا مع إحدى أهم القضايا الساخنة الموروثة عن فترة أبيه، وفي نفس الوقت من شأن ذلك أن يؤسس لتحالف استراتيجي لتحقيق توازن سياسي لمواجهة التيار الإسلامي الذي بدأ يفرض نفسه في الساحة السياسية ويسعى للحصول على أصوات المواطنين بشكل يسمح له بالمشاركة في تسيير الشأن العام سواء في الجماعات الحلية أو الحكومة. أما من جهة بعض مكونات الحركة الأمازيغية فقد كانت الفرصة مواتية لتحقيق بعض المكاسب للأمازيغية من خلال مؤسسة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ الأمازيغ. خلال هذه المرحلة كان للأستاذين محمد شفيق، المدير السابق للمدرسة المولوية وعضو أكاديمية المملكة المغربية ولتلميذه بالمدرسة المولوية حسن أوريد، دور أساسي في التقريب بين المؤسسة الملكية والحركة الأمازيغية وفق مبدأ "رابح رابح". لكن الأمور ستجري بما لا تشتهيه السفن. فبدل أن يتقوى هذا التحالف سيكون المعهد الملكي والعاملين فيه هدف انتقادات شديدة من طرف بعض مكونات الحركة الأمازيغية وصلت حد التخوين، فبدأ الصدع يتسع ووصل مداه بعد استقالة سبعة أعضاء من المجلس الإداري للمعهد سنة 2005. وبدل أن يقوي هذا الموقف الحركة الأمازيغية زادها ضعفا وانشقاقا وفي المقابل زعزعت الثقة بين القصر والحركة الأمازيغية.

حدث كل هذا في الوقت الذي كان فيه إسلاميو العدالة والتنمية يقوون تحالفهم مع الملكية بعد أن وضع بذوره دكتور القصر المرحوم عبد الكريم الخطيب مند سنة 1996. لقد تعامل القصر بنفس الطريقة مع جزأين من الحركتين الأمازيغية والإسلامية، لكن الأولى لم تحسن الحفاظ على المكتسب وتطويره رغم الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في دستور 2011 في حين أن الثانية وبخطى حثيثة تمكنت بواسطة العمل السياسي من قيادة حكومة 2011 وإعادة قيادة حكومة 2016.

إن المتتبع لتطور الأحداث منذ 2001 من خلال المقارنة بين الحركتين الأمازيغية والإسلامية سيستنتج أن الأخيرة تجنبت كل أخطاء الأولى إلى أن وصلت لقيادة الحكومة. فعكس الحركة الأمازيغية التي لم تحسن استثمار حسن النية الملكية المعبر عنها سنة 2001 كانت خطوات الحركة الإسلامية مدروسة في علاقتها مع المؤسسة الملكية، كما أن اسم حزبها لا يحمل أي إشارة للدين الإسلامي وهو ما سمح لها بالعمل السياسي عكس بعض مكونات الحركة الأمازيغية التي تشبثت بكلمة "الأمازيغي" لتسمية حزبها وهو ما جعلها تصطدم بالنص القانوني وتمنع من التنظيم لعدة سنوات قبل أن تستوعب الدرس وتقرر الامتثال للقانون.

من خلال ما سبق يمكن القول بأن ملف الأمازيغية بين 2001 و2011 كان ضمن الملفات السيادية التي يقرر فيها الملك.. وفي هذا الإطار تدخل كل القرارات الإيجابية لصالح الأمازيغية (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بداية تدريس الأمازيغية، القناة الأمازيغية،...) والتي اتخذت خارج القواعد الديمقراطية المعمول بها عالميا لكن أخطاء الحركة الأمازيغية وسوء تقدير بعض قياداتها جعل الملكية نفسها تتخلى نسبيا عن هذا الملف وتتركه للتدافع السياسي، وهو ما يفسر قبول الملك لمشروعي القانونين التنظيميين سواء المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أو المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية دون تعديل رغم احتجاجات مكونات الحركة الأمازيغية.. ورغم مراسلتها للملك لأنهما ببساطة مشروعان أعدا من طرف حكومة انتخبت ديمقراطيا رغم ضعف المشاركة. وبذلك يكون الملك قد وجه رسالة واضحة للحركة الأمازيغية مفادها ضرورة الدخول لمعترك العمل السياسي الحزبي وفق القوانين المعمول بها وتأطير المواطنين للوصول عبر صناديق الاقتراع لمواقع القرار بدل انتظار الالتفاتات الملكية التي أثبتت التجربة أن الحركة الأمازيغية لا تحسن استثمارها.

إن كل نقاش داخل الحركة الأمازيغية اليوم يجب أن يكون بمثابة نقد ذاتي صريح يتجاوز الأنانيات الضيقة والاستراتيجيات الفردية لإيجاد مكامن الخلل في الداخل بدل إلقاء اللوم على الآخرين.