الاثنين 16 سبتمبر 2024
كتاب الرأي

عبد اللطيف جبرو:الراحل هواري بومدين ورهاناته الخاسرة

عبد اللطيف جبرو:الراحل هواري بومدين ورهاناته الخاسرة

في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما قرر المغرب عزمه على إتباث وحدته الترابية والدخول في مرحلة شعبية للتعبئة من أجل استرجاع الصحراء من قبضة الاستعمار الاسباني، استخف الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين بالموضوع حينما توهم أن المغرب سوف لن يذهب بعيدا في هذا التوجه الوطني.
كان بومدين حينئذ يعتقد أن تعبئة وطنية مغربية من أجل الصحراء لن تكون ممكنة لأن الأحزاب الوطنية المغربية كانت في تلك الفترة مهمشة ومقموعة الشيء الذي كان لا يشجعها على التحرك من أجل استرجاع الصحراء.
من جهة أخرى كان بومدين يتخيل أن القوات المسلحة الملكية من جهتها سوف لن تكون على استعداد لخوض معارك الدفاع عن الصحراء نظرا لكون المغرب كان قبل سنوات قليلة قد عرف محاولتين انقلابيتين عسكريتين فاشلتين، الأولى سنة 1971 والثانية في 1972.
ومن حسن الحظ فإن ظنون الرئيس الجزائري الراحل سرعان ما أصيبت بالخيبة لأن القوى الوطنية المغربية عرفت كيف تحتل الشارع وتسير في مظاهرات شعبية حاشدة مهدت الطريق للمسيرة الخضراء في نونبر 1975.
هكذا عاد المغرب إلى صحرائه وتمكن من بعد ذلك من إبرام اتفاقية مدريد الثلاثية وأكدت القوات المسلحة الملكية بأنها جاهزة للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وصيانة السيادة المغربية في سياق الحدود الجديدة للمغرب الذي عاد إلى صحرائه.
آنذاك غضب هواري بومدين واستدعى الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد دادة وهدده بأنه في حالة استمرار الرباط ونواكشوط في تحدي الحكومة الجزائرية بخصوص الصحراء فإن ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب ستعرف الجزائر كيف تواجهها يقول بومدين وذلك بتجنيد مائة ألف متطوع تسلحهم الجزائر لخوض الحرب في الصحراء
إلى هذا الحد ارتفعت درجة النرفزة عند الرئيس الجزائري السابق، وما هي إلا أيام قليلة على عودة المغرب إلى صحرائه، حتى اتخذ بومدين قرار خطيرا يقضي بطرد عشرات الآلاف من العائلات المغربية من التراب الجزائري ودفعهم إلى مغادرة بيوتهم والتخلي عن تجارتهم وأعمالهم في الجزائر علاوة على طرد أبنائهم وبناتهم من فصول الدراسة وإرغام الجميع على اجتياز الحدود والرحيل إلى المغرب. كانت مأساة إنسانية تعرض لها أناس لم تكن لهم لا ناقة ولا جمل في النزاع الساسي بين المغرب والطبقة الحاكمة في القطر الشقيق.
هكذا استقبل المغرب عام 1976 سنة جديدة ومعها عشرات الآلاف من أبنائه الذين كانوا يعيشون في أمن وأمان مع إخوانهم في الجزائر فإذا بالسلطات الجزائرية تفرض عليهم مغادرة ديارهم والرحيل إلى المغرب لمواجهة مصير مجهول.
كان بومدين يتوهم أن المغرب سوف لن يكون مستعدا لاحتضان عشرات الآلاف من أبنائه أو أن ذلك التدفق الشري على المدن المغربية سيخلق لبلادنا متاعب كثيرة في مرحلة كان علينا أن نتواجه مع التحديات الجديدة لوحدتنا الترابية.
وهنا مرة أخرى خاب ظن هواري بومدين عندما وصلته أخبار عن المغرب الذي عرف كيف يدمج أبناءه المطرودين من الجزائر في الحياة المغربية سواء تعلق الأمر بالنشاطات الاقتصادية أو من حيث ضمان السكن والشغل وتمدرس الأطفال.
هذا موضوع خطير توالت بعده أكثر من أربعين سنة ولا يمكن اليوم القول بأن محنة المغاربة المطرودين من الجزائر في نهاية 1975 بسبب رغبة السلطات الجزائرية في الانتقام، إذ بلغ شطط هذه السلطات إلى درجة أنها لم تسمح للسكان بأخذ ممتلكاتهم علاوة على حرمانهم من مملكياتهم العقارية التي عملوا وكدوا طوال سنوات من أجل الحصول عليها.
لهذا يبقى على المغرب أن يقوم بكل الإجراءات الضرورية لجعل حكام الجزائر يعيدون إلى هؤلاء المغاربة كل حقوقهم.