الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة: بمناسبة اليوم العالمي للبيئة.. الكيمياء بين السراء والضراء

محمد حمزة: بمناسبة اليوم العالمي للبيئة.. الكيمياء بين السراء والضراء محمد حمزة

يحاول الإنسان عبر العصور أن يبحث في طبيعة العالم الذي من حوله، وذلك بدافع غريزة حب المعرفة.. ومن خلال ذلك، تمت الكثير من الاكتشافات المهمة التي ساعدت على تطوير العلوم والتكنولوجيا، ومن ضمنها علم الكيمياء، كعلم يعني طبيعة المادة ومكوناتها، وكذلك بكيفية تفاعل المواد المختلفة مع بعضها بعضا.. وعلى هذا تكون وظيفة العالم الأساسية هي معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن طبيعة المادة في هذا الكون.

الكيمياء أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهي تزداد توغلا فيه، كما أن اعتمادنا عليها تزداد وتيرته مع مرور الأيام.. ومنذ أن استطاع الباحثون فك شفرة ذلك العلم، وهو يتقدم بخطى متسارعة ويحقق إنجازات غير مسبوقة، كما أنه يدخل كرديف أو مساعد لجميع التخصصات والعلوم وفروعها بصفته الشخصية أو من خلال منتجاته، وكل ذلك يتم استخدامه لصالح تحسين مستوى الحياة البشرية، وذلك على الرغم مما يكتنف بعض منتجات الكيمياء وتطبيقاتها من سوء استخدام وسلبيات مثل، السموم وتلويث البيئة وصنع الأسلحة الكيميائية، والتي تصنف على أنها من أسلحة الدمار الشامل دوليا .

وعلى الرغم من وجود تلك السلبيات، إلا أنها لا تشكل إلا خدوشا خفيفة على وجه الكيمياء الذي تحمل أمورا حياتية عديدة لا يمكن حصرها .

إن العالم شهد، ويشهد، ثورة كبرى في مجال الكيمياء تثبتها الأرقام والاستثمارات الضخمة في كل من البحوث والتنمية ذات العلاقة، وأهم التوجهات المستقبلية، فإنها ترتكز على إنتاج مواد كيميائية نظيفة وصديقة للبيئة مقرونة بدراسة تأثير المواد المنتجة على كل من الصحة والبيئة، وذلك اعتمادا على أن الكيمياء تعمل بصورة دائبة على فك رموز المادة المحيطة بنا وتشكل بنيتنا، ولذلك أصبحت رمزا للتقدم بسبب دخولها جميع مجالات الحياة وشتى أنواع الصناعة، وازداد توجه أصحاب هذه المهنة نحو تحسين البيئة الصحية والأمن، وهم يمارسون بحوثهم وابتكاراتهم في مجالات عديدة تشمل السموم والمواد الثانوية والمواد النووية والتكنولوجيا الحيوية والمواد المتحددة والتحفيز، ومصادر الطاقة، والطاقة البديلة، ناهيك عن الاهتمام بالأمن المائي والغذائي لسكان الكرة الأرضية .

الكيمياء قوة تخدم الإنسان، والعاملون فيها هم المجهولون الذين يسهرون على تحسين جودة الحياة. فهم يقومون بمراقبة جودة الهواء والماء والتربة والعمل على منع تلوثها، ويسعون من أجل إيجاد حلول لتلوثها. هذا وقد امتدت خدمات الكيمياء إلى جميع مجالات الحياة والعلوم، فهي تقدم خدماتها للمتاحف واستفاد منها المؤرخون وعلماء الآثار، ناهيك عن خدماتها في مجالات الأدلة الجنائية وخدمة الفضاء وكشف ومكافحة الجريمة والتزوير .

انبثاق الكيمياء الخضراء كفرع من فروع الكيمياء، يهدف إلى تقلل الانبعاثات والملوثات الضارة الناتجة عن عمليات التصنيع الكيميائية المختلفة إلى أقل حد ممكن. كما أنها تسعى إلى ابتكار وتحضير مركبات ومواد كيميائية جديدة بديلة للمواد القارة المتوفرة حاليا، تكون أنظف وأكثر صداقة. إن ما تسعى إليه الكيمياء الخضراء من إعادة تشكيل عالمنا وتصنيع منتجات من مواد طبيعية، يعتبر خطوة هامة في سبيل كبح جماح التلوث البيئي والعودة تدريجيا نحو الطبيعة، لكن ينبغي أن يتم ذلك بأقل التكاليف المادية ومراعاة النظام البيئي لحفظ التوازن الحيوي لكوكب الأرض.. إننا بحاجة ماسة إلى أن تسهم الكيمياء الخضراء في دعم عملية التطوير الصناعي والعلمي، لكن يجب في نفس الوقت مراعاة أن لا يكون ذلك على حساب قوت وغذاء الإنسان.

للمغرب فرصة لبناء قاعدة صناعية حول الكيمياء الخضراء انطلاقا من تتمين موارده الطبيعية  كالفوسفاط  والصخور النفطية.. هذه الفرصة تتطلب إرادة سياسية لبناء قاعة صناعية كيميائية.

إن بناء قاعة صناعية كيميائية صلبة تتطلب تعزيز وتمويل البحث العلمي في التوجهات الكبرى لعلم الكيمياء، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

- إزاحة أساسية من البراديم التحليلي، أي تحليل المواد لمعرفة عناصرها الكيميائية إلى البراديم التركيبي لبناء المواد من خلال التفاعلات الكيميائية، وذلك لدعم علوم وتكنولوجيا الناتو أساسا .

- توجه ما يعرف بـ "الكيمياء الخضراء" التي تسعى إلى إرساء المبادئ والمعايير بهدف ترشيد عملية اتخاذ القرارات بشأن إنتاج واختبار واستخدام المواد الكيماوية، وذلك في سياق دورة الحياة المكتملة لها حتى يمكن تحديد الآثار الجانبية المحتملة لاستخدام الكيماويات على المديين القريب والبعيد "من أمثلة ذلك، أثر تراكم رواسب المبيدات والأسمدة في التربة الزراعية".

- دعم الصناعات الكيماوية النظيفة بهدف زيادة الإنتاج وتقليل استهلاك الطاقة وحجم المخلفات.

- كيمياء المواد الرخوة من أجل تحسين خواصها الفيزيائية الكهربية والميكانيكية والحرارية والضوئية.

- الانتقال من كيمياء المواد الأولية إلى كيمياء المواد المركبة كالسيلكون العضوي على سبيل المثال.

هناك عزوف واضح في تخصص الكيمياء في الجامعات المغربية، نتيجة لفهم خاطئ لدى العديد من الطلبة وتصورهم أنه الأصعب والأقل فرصا بعد تخرجهم.. وعلى ما يبدو أن هذا العزوف ظاهرة عالمية أمام إغراء دراسة البيولوجيا والفيزياء. العزوف يمر حتى في الدول الخليجية، قلة إعداد الطلبة الملتحقين بمراكز الكيمياء، رغم المختبرات الضخمة التي توفرها الجامعات الخليجية وفرص الشغل المتوفرة. فالحل الأمثل لتحفيز الطلاب لولوج التخصصات الكيميائية هو زيادة محاضرات التوعية بين طلبة الثانوية خاصة لتعريفهم بالمجالات التي يدخل فيها هذا التخصص وأهميته التي تتعاظم يوما إثر يوم، إضافة إلى النشرات والجولات في المدارس .

و في الأخير نورد فيما يلي بعض فروع بحوث الكيمياء التي يراها مجموعة من الباحثين ذات أهمية بالنسبة للمغرب:

- المعلوماتية الكيميائية فيما يتعلق باكتشاف العقاقير بهدف تقليل تكلفة إجراء بحوث الدواء.

- تحسين خواص "additifs" والوسيطة "catalyseurs" وهي ذات أهمية لتكنولوجيا الطاقة وتحلية المياه .

- الكيمياء الخاصة بحفظ وصيانة وترميم العمال الفنية والتاريخية.

- كيمياء الهواء الجوي لدراسة أثر عوامل التلوث.

- محمد حمزة، أستاذ التعليم العالي، كلية العلوم بنمسيك البيضاء