السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الهيني: نقطة نظام في العلاقة بين الدفاع والصحافة على هامش محاكمة بوعشرين

محمد الهيني: نقطة نظام في العلاقة بين الدفاع والصحافة على هامش محاكمة بوعشرين محمد الهيني

عرفت الآونة الأخيرة نقاشا قانونيا صحيا حول ظاهرة تعاطي الدفاع مع ملف بوعشرين من زاوية التصريحات الإعلامية بعد رفع الجلسة، وودت بدوري المساهمة في هذا النقاش بصفتي من دفاع ضحايا المتهم بوعشرين.

وتتركز النقط المثارة حول المواضيع التالية:

أولا: حول سرية الجلسة ومنافاتها مع التصريحات الإعلامية

ينطلق البعض من عداء صريح أو ضمني مع وسائل الإعلام في توجهه نحو مقاطعة أي تصريحات للدفاع لها. وهذا الاتجاه متجاوز وخارج الأطر الدستورية والقانونية للحق في المعلومة. لكن البعض الآخر يدعو عن حق إلى عقلنة التعاطي مع الموضوع باحترام أطراف الدعوى وتفادي التشهير بهم.

لكن ما يعاب على صنف معين الاتجاه الثاني هو أنه لا يميز بين سرية الجلسة وسرية البحث والتحقيق، لأن هناك فرقا وبونا شاسعا بين سرية الجلسة المقصود منها فقط أن تكون خلف أبواب مغلقة وبحصر الحضور في أطرافها فقط، والتي لا يمنع قانونا، كأصل عام نشر ما يروج فيها لعدم وجود أي نص يجرم أو يعاقب على ذلك، بخلاف سرية البحث والتحقيق التي تمنع وتحظر نشر معطياتهما تحت طائلة العقاب الجنائي.. كما أنه لا يدخل في خانة التشهير وصف الحالة القانونية كما هي دون زيادة ولا نقصان، لأن التشهير هو نية الإيذاء، وهو يختلف عن الإخبار بالعناصر المادية للجريمة أو ما يثبت قصدها الجنائي.

ثانيا: تفادي التصريحات الجارحة في حق دفاع الخصم

وهذا لعمري من ثوابت أخلاقيات المهنة والزمالة الذي لا محيد عنه، لكن هذا لا يعني عدم مناقشة دفاع الخصم مناقشة قانونية وقضائية، دون تجريح أو تطاول أو تهكم.

ثالثا: تفادي التصريحات والتعبيرات الدارجة المخلة بالحياء لاسيما تلك التي تنهل من قاموس "زنقاوي" ينفر منه العامة وتأبه له النفوس السليمة، لكن هذا لا يعني تجاوز المصطلحات القانونية ما دمنا في جريمة أخلاق، طبيعي أن تسمى الأمور بمسمياتها، لأنه لا حياء في القانون والقضاء مادام أن الهدف هو تحقيق العدل ومعرفة الحقيقة، لأن التخفي وراء الأخلاق لطمس الجريمة أو التقليل من خطورتها أو تداعياتها، أمر لا يمكن القبول به، ومن المحظور على الدفاع التأسيس لخطاب أخلاقي شكلاني يتنافى مع المهنية والاحترافية المتطلبة في مهنة الدفاع، لأن القانون الجنائي لا يؤمن بالحياء.

رابعا: المس بقرينة البراءة

قلنا مرارا وتكرارا إن قرينة البراءة لا تهم الطرف المدني ولا دفاعه، لأنهما يؤمنان بقرينة الإدانة وبثبوت الجرم أساس الانتصاب كطرف مدني، فضلا عن أن قرينة البراءة يهم احترامها المؤسسات القضائية، وليس الأطراف الذين يلزمون فقط باحترام كرامة بعضهم البعض في إطار القانون والأخلاقيات.

خامسا: تبني قضية الموكل

الدفاع ينوب أو يؤازر، وليس مطلوبا منه الحلول محل موكله أو مؤازره وتبني مطالبه أو قضيته بشكل شخصي، بأن يكون لسانه على حساب مبادئ المهنة وأعرافها وأخلاقياتها، مما يستلزم وضع حدود ومسافة بين الأمرين بشكل يصون المهنية والاحترافية والتجرد ودون السقوط في الحماسة المفرطة أو الكذب وقلب الحقائق الساطعة بشكل مهين ومبتذل أو تسييس القضية أو الدفاع عنها أو عرقلة سير العدالة وإهانة المحكمة أو الزملاء والزميلات.

لكن ذلك لا يعني بالمرة ألا يكون للدفاع آراء سياسية أو قناعات شخصية يحتفظ بها ضمن مقومات تفكيره وتوجهاته.

ما أحوجنا لعمل وتراكم معرفي ومهني وأخلاقي للمؤسسات المهنية في الموضوع، بعيدا عن النقاشات السياسوية الضيقة والفئوية المقيتة وصنع أوهام لواجب التحفظ الإعلامي، ولما لا التفكير في تنظيم ندوة وطنية في الموضوع تضع ضوابط ومعايير اجتماعية لكل المختلف فيه، وتجمع المتفق عليه، مع المطالبة بإصلاحات قانونية تفي بالغرض وتقطع الجدال، لحسم آثار سرية الجلسة ومشمولاتها.