السبت 20 إبريل 2024
سياسة

سياسيون ومثقفون يساريون يصرحون: "البيجيدي" و"البام" وجهان للتعفن السياسي

سياسيون ومثقفون يساريون يصرحون: "البيجيدي" و"البام" وجهان للتعفن السياسي

لأول مرة يكتسي الاستحقاق التشريعي في بلادنا طابع الحسم الاستراتيجي قياسا إلى باقي الاستحقاقات التي شهدها المغرب منذ استقلاله سنة 1956. بهذا الخصوص يمكن التمييز في الاستحقاقات السابقة بين ثلاثة أنواع:

الأول: يهم التجربة البرلمانية لسنة 1963 التي تمت على خلفية الصراع بين القوى الوطنية فيما بينها، وبين هذه القوى والنظام الذي كان قد أسقط حكومة عبد الله إبراهيم ليستفرد مطلقا بالحكم مدعوما بحزب "الفديك" الإداري برئاسة رضى اكديرة. وليجد نفسه أمام الباب المسدود إثر انفجار مظاهرات الطلبة في 23 مارس، الأمر الذي أدى إلى إعلان حالة الاستثناء.

الثاني: يهم تجربة 1970 التي أطلقها الحكم كنوع من التنفيس السياسي إثر تصاعد الحركات الاجتماعية ومحنة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبروز اليسار الماركسي. وقد كانت بصمة الجنرال أوفقير واضحة في التأثير على فعالية هذا البرلمان الذي سقط بعد محاولتي الانقلاب الفاشلتين.

الثالث: يتمثل في إطلاق المسلسل الديمقراطي بعد حصول الإجماع على قضية الوحدة الترابية، وبعد اقتناع الحكم بأن الإدارة المطلقة للشأن العام لا تفيد في شيء. وهو المسلسل الذي يستمر إلى اليوم محققا مكتسبات هامة على صعيد البناء الديمقراطي رغم ما يعتور التجربة من مطبات ذاتية وموضوعية.

إن أهم استنتاج يرتبط بقراءة تواصل الأنواع التشريعية الثلاث يفيد بأن الصراع كان دائما يجري على أرض الوطن حقيقة ومجازا، وبين الحكم من جهة وقوى البناء والديمقراطية. أما استحقاق اليوم فيقوم على خلفية مختلفة تستمد نسغها من تفاعلات ما سمي «الربيع العربي»، ومن بروز التيار الأصولي كرقم صعب في المعادلة السياسية المغربية.

في هذا الإطار برز طابع الحسم الاستراتيجي من خلال تصادم مشروعين متناقضين من حيث القيم والهوية، ومستقبل إدارة الشأن العام.

الأول، يقوده حزب العدالة والتنمية الذي كان يعمل في الاستحقاقات السابقة بمبدأ «التمكين والتمسكن» خاصة بعد أن خاض استحقاق (2011) بوهم «إخماد ثورة مزعومة» في المغرب، ودعوى «الإسهام في استقرار البلاد». أما اليوم، وبعد أن تمكن متمتعا بشرعية انتخابية، فهو يحاول أن يقدم نفسه كالبديل الأوحد لكل القوى، بل كالبديل الأوحد للنسق السياسي برمته، يساعده في ذلك خطابه القائم على الأخلاق، وعلى ادعاء تمثيل الله في الأرض، وعلى انضباط قياداته، وقاعدته الناخبة المغلوب على أمرها. وعلى العزوف وضعف المشاركة.

خطورة هذا المشروع ليست فقط في خطابه الاخلاقي المتعالي، ولكن أساسا في ارتباطاته مع إخوان الخارج حيث أكدت التجربة أن القواسم المشتركة ثابتة بين إخوان تركيا ومصر وتونس وليبيا وسوريا بشكل خاص. ومن هذه القواسم الفكرة الإخوانية العريقة التي تفيد أن الديمقراطية بالنسبة إلى الإخوان هي وسيلة وليست غاية، ولذلك ما إن يتمكنوا من تصدر لوائح الترشيح حتى يكشفوا عن جوهرهم المنافي للعمل الديمقراطي بالانقلاب على الديموقراطية والديموقراطيين تماما كما حدث في مصر، أو ما يحدث في تركيا اليوم. وقبل ذلك ارتباطاته المشبوهة مع «الخلايا النائمة» للفكر الجهادي. وليس صدفة ترشيحه لشيخ الكراهية حماد القباج، ودفاعه عنه من بعد أن أبطلت وزارة الداخلية ذلك الترشيح على خلفيته أفكاره المتطرفة.

خطورة هذا المشروع فكره العتيق بخصوص المرأة وقضايا الأسرة، وبخصوص حرية التعبير وقضايا الفن والأدب أي قضايا الحياة والديمقراطية بشكل عام في مواجهة هذا المشروع يبقى اليسار المغربي في الواجهة متأثرا بالنكسات الموضوعية للفكر اليساري في العالم، وبانحسار تأثيراته في الدولة والمجتمع. ولقد مثل الاتحاد الاشتراكي نموذج هذا الضمور بعد انشقاق مكوناته، وعجزه عن استئناف التركة المذهبية والتنظيمية لأسلافه الكبار: المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي.

أمام هذا الوضع تبرز فيدرالية اليسار المتقدمة بحماس للاستحقاق التشريعي القادم، مستعيدة الآمال بإعادة تجربة الاتحاد حين تقدمه لانتخابات 1998، خاصة أنها غير متورطة في تدبير سابق للشأن العام، وأنها تزعم بتبني خيار ثالث ما بين الأصوليين، وما من تعتبرهم مندوبي المخزن في المشهد السياسي الراهن.

ومع ذلك فمشروع اليسار بالنسبة إلينا هو مشروع ائتلاف بين فدرالية اليسار والاتحاد الاشتراكي الذي نتصور أن رسالته التنويرية قائمة، برغم ما يمكن أن نكونه من قراءة خاصة لقياداته الحالية، ولأدائه السياسي الراهن. إن القيم اليسارية أمر قائم فهي مع التنوير والتحديث والدمقرطة ومع العدالة الاجتماعية في مواجهة فكر التطرف والكراهية والتفقير والتجويع والولاء الخارجي.

لهذه الاعتبارات نؤكد أن يوم السابع من أكتوبر 2016 معركة الفصل بين واقعين أساسين: إما أن ينتصر اليسار ليمنح المغاربة فكرة أن تطور المسلسل الديمقراطي ماض في بناء ذاته، وإما أن ينتصر الأصوليون الذين «سيفرعون رؤوسنا» لا قدر الله بشرعية صناديق الاقتراع ليتصدوا هذه المرة لبلورة مشاريعهم الكبرى الحقيقية والتي هي:

1ـ تطويق الدولة باسم الشرعية في مناطق قوة الدولة، ونعني بذلك أساسا التوجه هذه المرة إلى إمارة المؤمنين لإسقاطها مقابل إقامة دولة الخلافة الإسلامية.

2ـ تطويق المجتمع بسلبه آلية التفكير بآلية التكفير عبر مشروع أخونة الدولة والمجتمع.

من هنا خطورة المشروع المهدد للدولة والمجتمع، ومن هنا الطابع الحاسم لاستحقاق سابع أكتوبر 2016.

(تفاصيل أخرى أوفر عن هذا الملف تقرؤونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن" لهذا الأسبوع، تجدونه في جميع الأكشاك)

Alwatan-une