السبت 18 مايو 2024
سياسة

لحسن العسبي: اشتريت دفترا لرصد حياة ما قبل وما بعد 7 أكتوبر

 
 
لحسن العسبي: اشتريت دفترا لرصد حياة ما قبل وما بعد 7 أكتوبر

اشتريت دفترا متوسطا، وقلت سأسميه "دفتر الانتخابات بالمغرب"، فيه بعض من المتابعة الخاصة لهذه الدورة الجديدة من دورات المواعيد الانتخابية ببلادنا (هناك من ينسى أحيانا أن هناك حياة قبل وبعد 7 أكتوبر 2016). وهي المتابعة التي أدون من خلالها، بعضا من الجدادات والتفاصيل حول سيرة هذه الدورة الجديدة من الانتخابات مغربيا، على مستوى الخطاب وتقنيات التواصل والسخرية والنكت وكذا ما أسجله من تعليقات يومية في مختلف نقط التلاقي مع الجمهور العام (طراموي، سيارات الأجرة، القطار، المقهى، محلات التسوق، الحلاق... إلخ). ووطنت نفسي أن أظل مجرد متتبع ملاحظ (متفرج)، بدون أي حكم مسبق.

لكن يظهر، أن هذه الدورة الجديدة من الانتخابات التشريعية بالمغرب، جد مختلفة عن سابقاتها، تسمح للمرء أن يصدر بعض الملاحظات، التي يبقى أثرها نسبيا في ما ستؤول إليه نتائج اقتراع يوم 7 أكتوبر 2016. وهي الملاحظات التي يمكن ترتيبها اعتباطيا كالآتي:

1) مرة أخرى الفرد المغربي جد ماكر، حيث إنه يضمر حقيقة موقفه. تعتقده غير متتبع وغير مبال، لكنه في حقيقته مع ذاته، هو يعرف القصة كلها ويحتفظ بموقفه في سره.

2) أتوهم أن نسبة المشاركة هذه المرة ستكون أكبر. وأن ارتفاعها المنتظر ستكون له آثار غير متوقعة على مستوى النتائج.

3) تمة علامات واضحة لعودة النخبة المثقفة، في معناها الواسع، للمشاركة في النقاش الانتخابي، وأن دورها وأثرها سيكون ملموسا.

4) ثمة عنفا في الخطاب وفي أساليب المنافسة، أشد وأكبر من أي دورة انتخابية سابقة. ولأول مرة تطرح مسؤولية الأخلاق في هذا التنافس عموميا. هذا سؤال جديد يطرح على الفرد المغربي في ممارسته للسياسة.

5) تململ طفيف، لكنه واضح وجلي، لليسار في حضوره بالمشهد العام الانتخابي، بشكل مختلف عن كل ما سبق من انتخابات (هذه الحركية تظهر في المشهد الاتحادي، وفي شكل حضور حملة التقدم والاشتراكية، لكنها تظهر أكثر في الشكل الجديد لبروز اليسار الموحد).

6) كل الطيف الإسلامي أصبح منخرطا في اللعبة الانتخابية، مما يعني أنها أصبحت رهانا للتغيير بالطرق السلمية، عنده. هذا أمر غير مسبوق في كل التاريخ الحديث للمغرب السياسي، منذ 1930. هل هو علامة نضج، أم إنه مجرد تاكتيك سياسي؟ المستقبل هو الذي سيقدم الجواب. من يتوهم أن المغرب سيكرر تجربة مصر أو تركيا، لا يفهم شيئا في القصة المغربية فعلا. المغرب، تاريخيا، دائما ينتج قصته الخاصة في الزمان وفي المكان.

7) فطنة الدولة كمؤسسات في التعامل مع اللعبة الانتخابية تطورت بمسافات احترافية.

8) ثمة ملامح على أن اليسار في مجمل أطيافه سيحقق تقدما عدديا مقارنة بالانتخابات السابقة لسنة 2011، وأن احتمال حصول، مثلا، اليسار الموحد على فريق برلماني لأول مرة، واردة ومحتملة. وما يجعل مجمل أطياف اليسار قد تحقق تقدما عدديا، هو عودة القوة النقابية للتأثير في المشاركة وفي النتائج الانتخابية. تاريخيا كلما كان هناك توافق بين اليسار وأجنحته النقابية كلما كانت نتائجه أحسن.

9) العدالة والتنمية المغربي، حزب أسسته جمعية. باقي التجارب الحزبية الحقيقية بالمغرب، كانت المعادلة فيها معكوسة، الحزب والحركة هي التي تؤسس الأذرع الجمعوية بعد ذلك. بالتالي لا تزال للحزب قوته الانتخابية تأسيسا على قوته الدعوية الجمعوية، التي تحسن باحترافية توظيف تقنيات التواصل الإلكترونية الحديثة بحس براغماتي رفيع.

 

10) واضح أن المغربي يتجه نحو المحافظة أكثر، في الوعي وفي السلوك. لكنها محافظة مقاصدية (ماكرة)، يخشى أنها تفتح الباب لازدواجية في السلوك غير إيجابية. وأن هذا التوجه يحمل في داخله، معنى آخر لتمثل خيار الحداثة. أي أن معركة التحول القيمي ابتأت بوضوح أكبر ضمن الجسم المجتمعي المغربي. إذ، واضح أنها معركة 50 سنة القادمة. المغربي دخل لحظة امتحان جدية، لمواجهة قدر الشكل الذي يريد أن يرتضيه لذاته وجوديا، سلوكيا وقيميا. واضح أننا خرجنا نهائيا من الثقافة الفلاحية إلى منطق الثقافة المدينية الحضرية. وهذا تمزق في الرؤية للذات لا تعبره المجتمعات دوما بسهولة ويسر، بل هي تعبره دوما بقلق وتوتر. هنا المصاحبة المؤسساتية الحامية لبيضة الجماعة تكون حاسمة.