الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

المكي السراجي: أهمية المشاركة في انتخاب أعضاء مجلس النواب

المكي السراجي: أهمية المشاركة في انتخاب أعضاء مجلس النواب

يعتبر البرلمان مجسدا للسلطة التشريعية وللإرادة الشعبية. وهو أحد السلطات الثلاث في الدولة إلى جانب السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ويحظى بأهمية خاصة ومكانة متميزة في جميع النظم الديمقراطية. ويستقي البرلمان أهميته من كونه نتاج الأفكار التحررية والأفكار المتطلعة للديمقراطية ولحقوق وحريات المواطنين.

يتكون البرلمان في جميع النظم السياسية الديمقراطية من أعضاء ينتخبون من قبل الشعب عن طريق الاقتراع العام المباشر. وقد يتكون البرلمان من مجلس أو من مجلسين لاعتبارات متصلة بطبيعة الدولة الفيدرالية أو لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. فمثلا يتكون البرلمان الفرنسي من الجمعية العامة التي ينتخب أعضاؤها عن طريق الاقتراع العام المباشر ومن مجلس الشيوخ الذي ينتخب عن طريق الاقتراع غير المباشر من قبل هيئة ناخبة تشمل أعضاء الجمعية الوطنية وأعضاء المجالس الإقليمية ومستشاري المجالس الجماعية.

وعلى غرار التجربة الفرنسية أخذ المشرع الدستوري المغربي بنظام الغرفتين في تركيبة البرلمان بموجب دستور 1962 غير أنه تخلى عن هذا النظام في دستوري 1970 و1972 ليعود إليه في دستور سنة 1996 ويستمر العمل به منذ ذلك التاريخ إلى اليوم..

يتكون البرلمان وفقا للفصل 60 من الدستور الحالي من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين. ينتخب أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 395 بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة لمدة خمس سنوات في حين ينتخب مجلس المستشارين المتكون من 120 عضوا عن طريق الاقتراع العام غير المباشر لمدة ست سنوات. غير أن الدستور وبالرغم من هذه الازدواجية المجلسية، أعطى أهمية خاصة ومكانة متميزة لمجلس النواب نختزلها في نقطتين مهمتين الأولى تتعلق بانبثاق الحكومة عن مجلس النواب والنقطة الثانية تتعلق بإثارة مسؤوليتها السياسية التي حصرها على مجلس النواب دون مجلس المستشارين.

أولا: انبثاق الحكومة عن مجلس النواب

لأول مرة في الحياة الدستورية المغربية يتم التنصيص على أن تعيين رئيس الحكومة يكون من داخل البرلمان، وبالذات من داخل مجلس النواب وفقا للفصل 47 من الدستور الذي ينص في فقرته الأولى والثانية على أنه "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها".

وهكذا أصبح تعيين رئيس الحكومة يتم من داخل الحزب الذي تصدر نتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب. ولم يشأ الدستور أن يجعل تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر نتائج انتخابات مجلس المستشارين لأن مجلس النواب ينتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر عكس مجلس المستشارين الذي ينتخب عن طريق الاقتراع العام غير المباشر من قبل هيئة ناخبة تتكون من ممثلي الجماعات الترابية ومن المنتخبين في الغرف المهنية وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية ومن ممثلي المأجورين. فمجلس النواب أو ما ينعت بالغرفة الأولى يمثل الشعب كله، فكان من باب الديمقراطية أن يعين رئيس الحكومة من داخل هذا المجلس.

وإذا كان الدستور لا ينص صراحة على أن رئيس الحكومة يعين أعضاء الحكومة من داخل مجلس النواب إذ اكتفى بالقول بأن الملك يعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيس الحكومة، فإن تعيين أعضاء الحكومة لا يمكن أن يكون إلا من الأحزاب الممثلة داخل مجلس النواب على اعتبار أن الحكومة لا تعتبر منصبة إلا إذا حصلت على ثقة مجلس النواب من خلال التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضائه على البرنامج الحكومي وفقا لما يقرره الفصل 88 من الدستور كالتالي: "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.

يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب.

تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي".

ثانيا: إثارة المسؤولية السياسية للحكومة

يكمن الاختصاص الثاني الذي ينفرد به مجلس النواب عن مجلس المستشارين في إثارة المسؤولية السياسية للحكومة. هذا الاختصاص، في حقيقته، ينبثق عن الاختصاص الأول الموكول لمجلس النواب في تنصيبها.

وضع الدستور في يد البرلمان عدة آليات لمراقبة عمل الحكومة منها ما يثير مسؤوليتها السياسية ومنها ما لا يثيرها. فمن الآليات التي تمكن البرلمان من مراقبة الحكومة دون أن يثير مسؤوليتها السياسية نجد الأسئلة بنوعيها الشفهية والكتابية ولجان تقصي الحقائق، ومناقشة وتقييم السياسات العمومية. ويشترك مجلس النواب مع مجلس المستشارين في ممارسة هذه الاختصاصات غير أن مجلس النواب ينفرد بممارسة آليات الرقابة التي تثير المسؤولية السياسية للحكومة وتتجلى في ملتمس الرقابة وفي سحب الثقة.

ينص الدستور في فصله 105 على أنه "لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.

لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم.

لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛ وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

إذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة".

والأمر مختلف بالنسبة لمجلس المستشارين الذي يمكنه هو الآخر أن يسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خمس أعضائه غير أن جواب الحكومة عن هذا الملتمس الذي يتلوه نقاش لا يعقبه أي تصويت.

أما بخصوص الآلية الثانية التي من خلالها يراقب مجلس النواب الحكومة، ويثير مسؤوليتها السياسية تتجلى في سحب الثقة طبقا لمقتضيات الفصل 103 من الدستور الذي يسمح للحكومة بأن تربط لدى مجلس النواب مواصلة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص قانوني يطلب الموافقة عليه. ولا يمكن لمجلس النواب سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص القانوني إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه. ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة. ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

ويمكن القول بأن المغرب بتبنيه لدستور 2011 قد دعم وعزز من الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي. وذلك عبر مجموعة من المقتضيات لاسيما تلك المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر نتائج انتخاب أعضاء مجلس النواب، وبالتالي أصبحت الحكومة تنبثق عن البرلمان وخاصة عن مجلس النواب المنتخب أعضاؤه عن طريق الاقتراع العام المباشر.

لذلك نعتبر انتخاب أعضاء مجلس النواب محطة سياسية مهمة تحدد اختيارات الشعب، وتفرز السلطة السياسية التي يضع فيها ثقته، ويراها مؤهلة لقيادة مشاريعه التنموية، وتحقيق طموحاتها الاقتصادية والاجتماعية. كما تعتبر هذه الانتخابات محطة لمراقبة الحكومة المنتهية ولايتها عن السياسات العمومية المتبعة، وفترة أيضا ليقيم الشعب أداءها وعملها طيلة ولايتها المنتهية إنها فترة للمحاسبة والمساءلة الشعبية.