Thursday 15 May 2025
سياسة

بنكيران يدكُّ «دولة الدستور» لبناء دولة «الإخوان العميقة»

بنكيران يدكُّ «دولة الدستور» لبناء دولة «الإخوان العميقة»

منذ توليه مسؤولية التدبير الحكومي إثر الانتخابات التشريعية لسنة 2011، وحزب العدالة والتنمية يردد، بموازاة سلوكه السياسي، خطابا جديدا من أجل التغطية على مواقف العجز والتردد التي تطبع عمل الأغلبية الحكومية. في هذا السياق يتحدث رئيس الحكومة دائما عن «الدولة العميقة»، وادعاء مسؤوليتها في إفشال برنامجه الحكومي، وعملها على ما يعتبره العدالة والتنمية سعيا شرسا من أجل مواصلة التحكم الفعلي في دواليب الدولة والمجتمع. الأمر الذي يطرح السؤال الحقيقي عن خلفيات الإصرار على تبني هذا الخطاب في سياق تجاذبات العمل السياسي، وعن طبيعة مرجعياته؟ وما هي «الدولة العميقة» التي تسعى فعليا إلى ابتلاع الأمة المغربية؟

تختلف حكومة بنكيران عن مثيلاتها السابقات بانبثاقها عن مخاض سياسي غير مسبوق عبر عنه دستور 2011، باعتباره تمثل حاجة المجتمع المغربي إلى التحول الحقيقي، على ضوء الانتفاضات التي هزت أركان الحكم، خاصة في تونس ومصر ضمن ما يسمى تفاعلات «الربيع العربي». وبهذا المعنى ينظر إلى ذلك الدستور على أنه سما بدرجات التعاقد بين الفاعلين السياسيين، وعبر عن نضج جماعي من أجل التجاوب مع ضرورات التغيير والإصلاح، وبذلك صار هذا الدستور أرفع وثيقة قياسا إلى تاريخ الممارسة الدستورية المغربية، لا فقط لغنى الزخم السياسي المصاحب لها وللرهانات المعقودة عليه، ولكن للصلاحيات المقررة ضمنه، ومن بينها تطور وضعية وصلاحيات المسؤول الحكومي الأول إلى ما أصبح مؤسسة رئاسة الحكومة. وباعتبار هذه الوضعية وهذه الصلاحيات، فلم يعد ممكنا البحث عن مشاجب لتعليق الفشل الحكومي، سواء في المستويات القطاعية، أو في المستوى الحكومي الشامل، وإلصاقها بمواقع أو اعتبارات كما كان يحدث سابقا حين كانت بعض الأطياف السياسية تنحت بعض المفاهيم لترسم حقيقة العمل الحكومي، وتبين موارد التحكم وهشاشة مشروع الانتقال الديموقراطي. نذكر في هذا الإطار كيف كان يتحدث القيادي الاتحادي محمد اليازغي عما كان يعتبر بمثابة «الحزب السري» الذي كان يعمل على إعاقة مسار النمو الطبيعي لمسلسل دمقرطة الدولة والمجتمع. وكان يقصد أجهزة وزارة الداخلية «المزروعة والمنتشرة في كل المؤسسات» على حد تعبيره، وذلك لوصف آليات التزوير والغش التي شابت انتخابات 1993. وفي نفس السياق أبدع القيادي الاستقلالي أحمد بوستة تعبير الانتخابات «المخدومة» لوصف نفس المرامي. تماما كما نذكر حديث الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق عن «جيوب مقاومة التغيير»، كناية عمن كان يعتبرهم يشكلون «مركبا مصالحيا وسياسيا» يسير في غير خط الإصلاح، ويعمل على تعميق الهوة بين المؤسسة الملكية ومكونات الحقل السياسي الوطني التي كانت تسعى إلى بلورة تعاقد سياسي جديد. إذا كان لمثل هذا الخطاب ما يبرره موضوعيا في مرحلة سابقة، فإن الحديث عن «الدولة العميقة» لا يستقيم، اليوم، في وضع دستوري وسياسي ومجتمعي مختلف. وإذن فالإصرار على تبني هذا الإطار المفهومي «الدولة العميقة»، وما يرافقها من تعبيرات ملتبسة (التماسيح والعفاريت...) يعني أولا التغطية عن فشل التدبير الحكومي، خاصة في القطاعات التي تمس المعيش اليومي للمواطنين، والبحث عن متهمين آخرين ليعلقهم في الحملات الانتخابية القادمة. وبذلك يحتمي بهذا الإطار المرجعي، كما برز في سياقات دولية مختلفة، خاصة في تركيا ومصر وتونس على سبيل المثال، على أن المشترك بين هذه السياقات هو الجذر الإخواني للفاعل السياسي الرئيسي في كل هذه الأقطار. إنه جذر تنظيمي - إيديولوجي يشترك فيه حزب العدالة والتنمية مع نظرائه في العالم، لا فقط كفرع أصولي يعمل وفق مقتضيات التنظيم الدولي الإخواني سلوكا وخطابا، ولكن كامتداد يتمثل ويطبق فلسفة ذلك التنظيم الذي يتحول إلى شبكات متقاطعة ومتداخلة، حيث تسعى الأذرع الدعوية (الإصلاح والتوحيد)، والطلابية (فصيل التجديد الطلابي)، والاقتصادية (جمعية أمل للمقاولات)، والجمعوية (استغلال شبكة الجمعيات العديدة بالجماعات المحلية)، إضافة إلى التمطط السرطاني في مجالات الإعلام المكتوب والإلكتروني، من أجل الابتلاع الأخطبوطي للقطاعات العمومية والخاصة، وللجامعات ولمؤسسات المجتمع المدني، وإلى التحكم في السياسة والثقافة والمجتمع، وإلى اختطاف الأمة المغربية. وإذن فخطاب «الدولة العميقة» لا يبحث فقط عن تغطية الفشل، ولكن عن تغطية نيات التحكم وآلياته. إن زعيم حزب «العدالة والتنمية»، إذ يستعير مثل هذه المفاهيم، فلأنه مقبل على سرقة دولة ومجتمع، وعلى الالتفاف على التاريخ السياسي للمغاربة، وعلى نضالهم التاريخي من أجل إنجاح مشروع الدمقرطة والتحديث. ولذلك ينهج «العدالة والتنمية» السياسة والدين بأقنعة مختلفة، كما كنا نوضح ذلك دائما في ملفاتنا، ويعمل (عبر توزيع الأدوار بين قيادييه) على اللعب كل الحبال واعتناق شعار: «شي كوي و شي يبخ»، فهو مع إمارة المؤمنين وضدها، مع المؤسسات وضدها، مع الديمقراطية وضدها، مع المغرب وضده، وذلك لتأسيس دولته العميقة ولتوطيد امتدادها الشبكي، ومن أجل الوصول إلى ذلك لا يجد حرجا في عمل وقول أي شيء، إنه المنتصر والمظلوم، الحاكم والمحكوم، وكل شيء جائز ومبرر للالتفاف على موروث المغاربة. إنه المظهر الجديد لأعطاب السياسة في بلادنا.