من تقاليد الدولة العريقة في بلادنا، تصديرها للقلق إلى غيرها من المشاركين في تأثيث المشهد السياسي. ذلك القلق الذي يأتيها من الخارج الأجنبي أو من الأزمة الداخلية ،،،، فالصمود سياسي وموضوعي وليس فقط إرادوي / ذاتي، فنحن في منعطف يجبرنا على مواصلة اليقظة لأجل مقاومة الانهيار / انهيار القيم والكرامة، وتحصين المكتسبات، والمقاربة الحقوقية هي ملهم اجتهادنا لصناعة مزيد من مادة التفاؤل والإصرار، ذاكرتنا وطننا وعدالتنا في صدقية الدين التاريخي، ومشروعنا المشترك يختزله مطلبا التحرر والديمقراطية، لذلك فزمننا لا يمكن النظر إليه سوى إنسانيا / إجتماعيا، سيستمر الصراع بجميع التعبيرات السلمية ليس إلا، ونحن بصدد انتخاب نواب الأمة، ولسنا بصدد استبدال ممثلي الدولة حتى نرهن الوطن للمجهول.
ليس في الأمر نفحة من نظرية المؤامرة، و لكن لا مناص من الاقرار بانه لكل قرار صانعه، ولكل مشروع حامله، ولكل مبادرة من يدعمها ويرافقها، و في كل هذا وذاك لا تشترط سوى ألاستقلالية والشفافية واحترام المسافات الضرورية، بدمقرطة تدبير الحق في الاختلاف و صون الكرامة الانسانية والسيادة الوطنية، فالديموقراطية غاية ووسيلة، شكل ومحتوى.
فمشاركة التقدميين في الفضاء العمومي وكذا في العمليات الانتخابية، وعلى علة النتائج والرهانات و حجم الانتظارات، يعطي نفسا لاستمرار فكرة التعددية والاختلاف في المشهد السياسي وفي التمثلات المجتمعية، بدليل أن كل كبوة تجدد دماء النقاش الداخلي والعمومي علي السواء وتستفز امكانيات المراجعات والنقد الذاتي، لكن ما جدوى كينونة لا تفيد سوى في منح شهادة «حياة» دون أن تمكن الفاعلين الذي أصابهم العياء أوتعرضوا للإقصاء والاستبعاد من «دواليب» صنع القرار؟ وما معنى حصول بعض الأحزاب، بصفة دورية، على ضخ ل «دوباج»، والحال أن التداول، ولو على تدبير الشأن العام / ما تحت السيادي المحفوظ، يعطي امكانية خلق مادة التفاؤل المتطلبة للمقاومة والصمود، خاصة في ظل التراخي الملحوظ في العلاقة مع مطلب فك الارتباط مع الخارج الذي لا يهمه سوى تصدير أزماته عبر إملاءاته ملفوفة في «ديموقراطيته الاشتراطية» الإلحاقية والمكرسة للتبعية بجميع أشكالها، وبعلة أن الدولة المغربية ملتزمة وعليها الوفاء لالتزاماتها «الدولية»، مما يستدعي دمقرطة الأولويات لأن اقتصاد السوق كرس تراجع الدور الإجتماعي للدولة، بغض النظر عن بطء التفعيل الايجابي للدستور والتلكؤ في تطبيق شامل وغير انتقائي / تجزيئي لتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كحد أدنى للقطع مع ماضي التحكم والاستبداد.
فهل من رهان حقيقي أم مجرد ارتهان، لأنه يوما عن يوم يتأكد لي بأن جميع الأحزاب السياسية المغربية تتصرف بناء على اعتقاد قياداتها بأن النتائج لن تكون سوى تحصيل حاصل، وإن هذا التردد تكرسه انعدام الثقة في النفس وكذلك انعدام الحس السياسي بأن الدولة نفسها مترددة مكوناتها المتعددة والمتنوعة في العلاقة مع مطلب الأمن والاستقرار، خاصة وآن هناك تكافؤ في الامتيازات فيما بين حزبين كلاهما امتداد للدولة، وغير مستقلين بما يكفي لتكريس التوجس واللايقين، أما بقية الأحزاب اليمينية فهي مكملة ولا تتوفر على نفس الحظوظ التي كانت لها خلال فترات التأسيس كتكتلات للمرشحين «غير المنتمين »والفائزين بدعم أو تزوير، مما يؤكد أن الصراع لن يكون بين تصورات ومبادئ، وانما سيكون حروبا صغيرة تمس الشكل والأخلاق دون جوهر الاختلاف الفكري والسياسي. فهل بمقدور اليسار، برمته، الوعي بضرورة الانتقال إلى السرعة العليا وتمثل مقتضيات الخط الثاني كنقيض رئيسي وحيد وموحد في مواجهة كافة الأصوليات؟
كتاب الرأي